مقطع قصة رائعة ، تجسد قيما يحتاج إليها الناس في كل زمان ومكان ، تدور أحداثها حول رجل معروف في بلاد السويد، كان كثيراً ما يفعل الخير لبلاده ؛ فأحبه الناس ، ومن شدة حبهم له أرادوا تخليد ذكراه حتى بعد موته؛ فقرروا أن ينصبوا له تمثالاً كبيراً وسط البلدة، وكسوا هذا التمثال طبقة من الذهب الخالص ، ووضعوا في عينيه فصين من المرد ، ووضعوا في مقبض السيف الذي يمسكه ياقوتة حمراء ليس لها مثيل .. وأخذ الناس يعجبون بهذا التمثال ويتحدثون عنه... وكانت العصافير تتجمع عند هذا التمثال . وفي الشتاء ـ عندما اشتد البرد ـ قررت العصافير أن تهاجر إلى مدينة أخرى ، ولكن عصفوراً منها لم يهاجر معهم ؛ لانشغاله بالجلوس مع صديق له طول الوقت ؛ فلم يتذكر أصحابه الذين رحلوا وتركوه.. وعندما هبت ريحً قوية ارتعش العصفور من البرد، وتذكر ما اتفقت عليه العصافير ؛ فأستأذن صديقه وعانقه وودعه وطار إلى الغابة ، وعندما تعب أراد أن يستريح في البلدة عند هذا التمثال؛ فهبط بين قدميه ولف جسمه وراح في نوم عميق، وفي منتصف الليل شعر العصفور بقطرات الماء تتساقط عليه ، ظن العصفور أن السماء تمطر ، لكنه نظر إليها فوجدها صافية وليس بها سحب أو غيوم ، وعندما نظر إلى التمثال فإذا به يبكي ! فقال له العصفور: لماذا تبكي أيها التمثال السعيد؟! إنك أسعد الكائنات التي في هذه الدنيا !! فقال له : نعم ، أبكي لما تراه عيني! وأشار بيده إلى كوخ طفل مريض. وقال : انظر إليه أيها العصفور ، إنه يبكي من الجوع! وأمه الفقيرة البائسة تعطيه ماءً لأنها لا تملك ثمن اللبن الذي يطلبه . ليتك أيها العصفور الطيب تقدم مساعدة للطفل وأمه ! فنظر العصفور وقال : ماذا أستطيع أن أقدم من مساعدة ؟ أنا طائر صغير فكيف أساعدهم؟! فقال التمثال : خذ هذه الياقوتة التي في مقبض سيفي ، إنها ستنفعه كثيراً؛ فأخذها العصفور وطار بها إلى المرأة الفقيرة، وأعطاها إياها . فرح العصفور فرحاً شديدا وقال : إن عمل الخير ومساعدة الآخرين يدفئ القلوب والأجسام . والآن سوف أنام ، وغداً سوف ألحق رفاقي؛ فقال التمثال: كنت أطمع أن تظل في ضيافتي أكثر من ليلة ؛ فقد آنستني ، فلما سمعه العصفور قال : حسناً ، سوف أبقى معك ليلة أخرى. وفي الصباح ، طار العصفور في الغابات المجاورة من المدينة ، وراح يقضي وقته في التنزه والبحث عن الطعام ، وفي المساء عاد إلى التمثال ، فإذا به يبكي والحزن يملأ قلبه ، فقال له: لماذا تبكي ؟! فقال : هناك شاب فقير يجلس أمام مكتبه ويستذكر دروسه ، ولكنه يشعر ببرد شديد ولا يقدر على استذكار دروسه من شدة البرد، وهذا الشاب لو نجح ،فسوف يقدم خدمات نافعة للوطن ولأهله. فهل تساعده يا صديقي ؟ فقال : بالأمس تبرعت بالياقوتة ، فبماذا تتبرع الآن أيها الطيب؟! فقال : اقلع الزمردة التي في عيني اليسرى، وطر بها إلى ذلك الشاب، فقال : هذا عمل مدهش ! لم أنت طيب القلب ؟! كيف تستغنى عن إحدى عينيك وتعطيها لغيرك؟! فقال التمثال : إنني أحب مساعدة الغير، ولا أحب أن أرى أحداً حزيناً . طار العصفور إلى الشاب وأعطاه إياها ، ثم عاد إلى التمثال؛ فقال العصفور : إنك طيب حنون ، وأنا لا اقدر على فراقك يا صديقي ، فسوف أبقى معك الليلة وغداً أيضاً. ثم طار في الصباح بحثا عن الطعام.. ، وعندما أقبل الليل عاد إلى التمثال ؛ فإذا هو يبكي ! فقال له العصفور : ماذا ترى يا تمثال الخير؟ فقال له : انظر هناك .. فتاة تبحث وتبكي لأنها أضاعت النقود التي تريد أن تشتري بها دواء لأمها، فقال العصفور: فهل لديك شيئاً أطير به إليها؟ فقال: خذ الزمردة التي في عيني الأخرى.. فقال العصفور : وهل تريد أن تعيش أعمى؟! فقال : إنه لا يسهل علي أن أرى أم هذه تموت من المرض . ذهب العصفور وأعطاها الزمردة ثم عاد ، وفي اليوم التالي طلب التمثال الطيب من العصفور أن يدور حول البيت ويأتي بأخباره إليه.. ففعل العصفر ثم عاد إليه بأخبار البؤساء ، وقال : ليتك يا صديقي العزيز تساعدهم وتنسيهم آلامهم وبؤسهم.. إن جسمي مغطى بالذهب ، هيا انزعه وأعطه إياهم.. فقال له العصفور : وأنت.. هل تريد أن تفعل كل شئ؟! فأنت الآن لا تملك شيئاً من التعظيم الذي عظمه الناس لك! فقال : إن هذا لا يهمني ما دمت أرى الناس سعداء. فعل العصور ما أمره به ، ثم قال له العصفور : أيها التمثال الطيب ياليت قلوب البشر نصف طيبة قلبك؛ فأنت تساعد الآخرين وتسعد قلوبهم ؛ فلن أتركك أبدا .
عنوان الكتاب
إبراهيم عزوز


حديقة الطفل
قصص الأطفال