مقطع تذكر القصة أن قرية القباب البيضاء ليست مثل باقي القرى؛ فلا أحد يدخل إليها ولا يخرج منها، يفصلها عن العالم سور ‏لا أبواب له، تعوّد أهل القرية عليها حتى صار السور منسياً، وكان هناك ولدٌ اسمه "تمار" يريد أن يعرف ماذا وراء السور، ولكنه كان كلما سأل غضب منه معلم القرية ‏وعاقبه عقاباً قاسياً وسخر منه الأولاد، فيتوقف عن السؤال ويصمت إلا في وقت النوم كان يسأل أمه أسئلة كثيرة كانت تجول في رأسه، ‏فتجيبه أمه بقولها هذا هو المعتاد. في النهار الخريفي ظهر سرب من طيور صغيرة صفراء ثم اختفت وراء السور، فكر تمار أن الغربان تملأ القرية لكن هذه هي المرة الأولى التي تظهر في سماء القرية طيور جميلة، ‏وجرى ليخبر أمه ‏أنها صدفة، أجابته أمه وهي مشغولة بثوب تحيكه يشبه الذي حاكته بالأمس، ‏يسأل تمار أسئلة كثيرة منها: لماذا اختفت وراء السور؟ أجابته أمه بارتباك: السور نهاية كل شيء. ‏في اليوم التالي، كان تمار يحمل شوال الذرة إلى بيت الطحان، ‏عندها سمع رفرفة أجنحة الطيور، إنها الطيور الصفراء ظهرت من جديد، وإذا بأولاد يسيرون في الطريق، فاستعد تمار ليخبرهم أنه من اكتشفها، لكنهم تجاوزوه ولم ينظروا إلى الطيور، عاد تمار بالذرة المطحونة فأخذت أمه تنظفه من الغبار، وأخبرها بلهفة عن الطيور وغبارها الذهبي، خافت أمه كأنه قال: إن زلزالاً حلّ بالقرية وأخذت تقرأ عليه كلمات شافية، وطلبت منه ألا يفعل إلا المعتاد. لكن تمار نسي وعده لأمه، وعندما كان في بيت الفخار كان الأولاد يقلدون المعلم ويصنعون آنية إلا تماراً تحمس وعمل آنية مختلفة جعلت المعلم يصرخ عليه: لا تغير شكل الآنية! فأخذ يسير في الدروب حزيناً صامتاً حتى سمع صوت الطيور الصغيرة، فقد اختفت الطيور تماماً حتى ظن تمار أنه يتوهم، وأن عليه أن يفعل المعتاد. في يوم من الأيام، امتلأت السماء بالغيوم وأظلم النهار، فخاف أهل القرية فدخلوا إلى بيوتهم وأغلقوا الأبواب، فسأل تمار: لماذا؟ فقالت له أمه لا تكثر من الأسئلة. فخرج من البيت فوجد المطر والحقول ليس فيها أحد، فلمح طيورا صغيرة تغرد وكانت تتجه إلى مكان محدد، فلحق بها تمار مسرعاً وقطرات الماء تتدافع أمامه، اختفت الطيور داخل نافذة بيت صغير أخضر مختلف عن كل البيوت، دفع الباب بيده برفق، خطا إلى الداخل وقلبه يخفق بشدة، وصوت أمه يصله من مكان ما (عليك أن تفعل المعتاد فقط). كانت أمه في البيت تواصل الحياكة، فرأى تمار صاحبة البيت يلفها وشاح أخضر وضوء يسيل من يديها، ابتسمت المرأة له وقالت: أنت أول واحد يخالف المألوف، وأول من يدخل هذا البيت، أعطته شيئاً صغيراً ليأكله، تذوقه تمار فذهل، كان يسيل ويسيل حلاوة وأراد المزيد، وبعد يوم المطر مرت الأيام وكان تمار يفكر في الطعم الحلو كيف يحصل عليه والطيور لم تظهر؟ ويطل فجر جديد، القرية لا تزال غافية، ولكن صوت الطيور من وراء السور تنادي تمار، نهض تمار ركض وركض ليخبر أمه وأهل القرية لقد وجد كنزاً كانوا يرفضون قوله ويزجرونه، لكنهم رأوا الثمار اللامعة حتى سالت الرحمة في قلوبهم وأقبلوا يأكلون من يده، كانت الثمار تسيل وتسيل حلاوة، وعلت الضحكات وكأنهم استيقظوا من سبات طويل، فما كانوا يتخيلون أن السور بهذا القرب لم يكن بعيداً وأن الشجرة موجودة منذ وقت طويل، وأسموها نخلة وسموا ثمارها تمراً على اسم ولدٍ لم يفعل المعتاد فقط.
عنوان الكتاب
نوف العصيمي
ليال إدريس


قصص الأطفال