مقطع استرخى الإسكندر المقدوني في شرفة قصره ، يدخن أرجيلة من التبغ التركي الفاخر ، ويشرب قدحاً من عصير العنب الأفريقي. تطلع الاسكندر بشهوة إلى البضائع التي أحضرها رسله من بلدان العالم المختلفة. أحس الإمبراطور الإسكندر بالغرور ، كل هذه الثروات تحضر إلى عرشه ! إنه الحاكم المسيطر على شعوب مختلفة ، يأمر وينهي مصائر البشر بإشارة من أصبعه! التفت الإسكندر إلى الحكيم وقال له: سأغزو أراضي مصر . فرد الحكيم: وماذا بعد؟ قال الإسكندر : ثم أغزو بلاد الفينيقيين . فقال الحكيم : وماذا بعد؟ قال : وسوف أغزو بلاد العرب . فقال الحكيم : وماذا بعد؟ قال : وسوف أغزو بلاد فارس. فرد الحكيم : وماذا بعد؟ قال الإسكندر : وأغزو بلاد الهند واستريح . فقال الحكيم : ولماذا لا تستريح منذ الأن؟ فقال الإمبراطور الشاب ـ بغرور ـ يجب أن تخضع هذه البلدان لإمبراطوريتنا ؛ حتى نتمتع بخيراتها ويتمتعون هم بحماية النظام الإمبراطوري . أطرق الحكيم أسينياس بن أسه إلى الأرض ، بينما ارتفعت همهمة الاستحسان من حاشية الإسكندر والمحبة للحرب والنهب والسلب . رفع الحكيم رأسه ـ الذي خطه الشيب بالحكمة والشجاعةـ وقال أيها الإمبراطور: بدلاً من أن تغزو العالم وتدمر الناس والأرض، انشر العدل في بلادك ، وكن قدوة حسنة للمدن الأخرى وسوف يحبك الناس وسينضمون إلى نظامك بطوعهم ورضائهم ، واعلم أن الشعوب لا تحب أن تحكم رغم إرادتها وستناضل ضد الغزاة الذين يحتلون أراضيها . استنكر قادة الإسكندر العسكريون الذين يريدون سبي النساء الجميلات وامتلاك الذهب . وكعادة الأباطرة تغلبت شهوة التملك والغرور على الإسكندر فأعد جيوشه وركبوا السفن وهاجموا بداية أرض مصر واحتلوها دون مقاومة تذكر ؛ بسبب المفاجأة . واصل الإسكندر غزوه لأراضي الفينيقيين وبلاد العرب التي كانت مدناً صغيرة متفرقة وضعيفة واستولى على بلاد فارس ، وسقطت كل هذه البلدان في يد جيشه بسبب خوف الحكام على عروشهم والأغنياء على ثرواتهم ، أما الفقراء فكانوا لا يفضلون التضحية بحياتهم في سبيل مدن لا يجدون فيها سوى الفقر والظلم . وصل جيش الإسكندر إلى مشارف بلاد الهند ، وكانت توجد ـ على حدود بلاد الهند ـ مدينة صغيرة تسمى "ساند وراس" هذه المدينة تربى أطفالها على حب الدراسة وتعلم فنون القتال ، طلب الإسكندر من أهلها الاستسلام وإلا دمر المدينة على رأس سكانها ؛فطلب الأهالي منه مدة ثلاثة أيام للاستسلام ، ومن اليوم الأول تقدم إليهم أحد حكماء المدينة بلا خوف وجلس العجوز فوق كومه من الخشب ثم أشعل النار في نفسه ، وقال : نحن أناس نحب السلام ونكره الحرب ، وواصل كلامه دون أن يتأوه من الألم ويقول : نحن نستطيع التضحية بأجسادنا ، لكن الغزو لا يستطيع تحطيم أرواحنا . ذهل الإسكندر من فعل الرجل الذي احترق جسمه كله ، وتعالت أصوات الجنود تقول: المدينة ضحت بهذا الرجل العجوز لأنه سيموت قريباً . جاء اليوم الثاني ، فأتت أجمل الفتيات بشعرها الأسود الطويل وجلست في نفس مكان الرجل ، وقالت العبارة نفسها ، واحترقت . صاح العسكر حسرة على هذه الفتاة الجميلة وقالوا : إن سكان المدينة ليس لديهم قيمة للنساء . جاء اليوم الثالث ، وإذا بطفل صغير من سكان المدينة يأتي بشجاعة وثقة ويجلس على نفس كومة الرماد وقال : أرسلت المدينة لكم الشيخ العجوز علامة الحكمة ، والفتاة علامة الخصب ، والطفل علامة المستقبل، وقال نفس العبارة التي قالها الرجل والفتاة وأحرق نفسه . ذهل الجنود ودب الخوف في نفس الإسكندر ؛ ففكر طويلاً وقرر أن يتراجع بجيوشه عن هذه المدينة الشجاعة قبل أن يتمرد عليه جنوده ، وخوفا من أن تضيع هيبة الإمبراطورية . وفي طريق عودته إلى بلاده مات الإسكندر ، وبعد أن أفاقت الشعوب من صدمة الغزو قاومت جيوش الإسكندر وبقى اسم المدينة الصامدة حتى اليوم رمزا للشجاعة.
عنوان الكتاب
إبراهيم بشمي
يوسف القصير


شعبي
حكايات العالم
قصص الأطفال