مقطع بعد أن نقض اليهود العهد مع المسلمين في معركة الخندق، وعاقبهم رسول الله في غزوة بني قريظة، وتم طردهم خارج المدينة، اتجه أغلبهم إلى خيبر. أصبحت خيبر المكان الرئيس لتدبير المكائد للمسلمين ،وإقامة الأحلاف العسكرية مع أعداء الإسلام؛ فقد عقدوا حلفاً مع غطفان؛ لتكوين جبهة موحدة ضد المسلمين. وبعد أن فَرغ رسولُ الله من صلحِ الحديبية، أرادالآخر، حتّى لم يتبقّ منها سوى حصني: (الوطيح والسَّلالم) ، فحاصرهما المسلمون أربعة عشر يوماً ،فلم يروا غير الاستسلام. واقترح اليهود أن يظلوا في الأرض، ويقوموا بزراعتها، ويكون للمسلمين نصف الثمر، فقَبِل النبي ذلك، وعيَّن عبد الله بن رواحة لجمع ما يدفعونه من الثمار. وموقف سيدنا علي ـ في فتح خيبر ـ لم يكن بين رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ـ وبين يهود خيبرٍ عهد ، بخلاف بني قينقاع والنضير وقريظة ، فقد كان بينهم وبين الرسول ـ عهد . توجَّه إليهم النبي ليدعوهم إلى الإسلام ، أو قبول الجزية ، أو الحرب ، لكنهم رفضوا ذلك، فلم يسلموا ولم يقبلوا الجزية فحاربهم النبي . وكان يهود خَيْبَر مظاهرين ليهود غطفان على رسول الله ، وكان هذا سبب خروج النبيّ إليهم . فقد ذكر ابن الأثير وغيره : أن يهود خَيْبَر كانوا مظاهرين ليهود غطفان على رسول الله ، وأنَّ غطفان قصدت خَيْبَر ليظاهروا اليهود فيها ، ثمّ خاف المسلمين على أهليهم وأموالهم ؛ فرجعوا . وكان المسلمون في هذه الغزوة ألفاً وأربعمائة ، ومعهم مِائتا فرس ، فلمّا نزلوا بساحتهم ، لم يتحرّكوا تلك الليلة حتّى طلعت الشمس ، وأصبح اليهود ، وفتحوا حصونهم ، وغدوا إلى أعمالهم . فلما نظروا إلى رسول الله ، قالوا : محمد والخميس ـ أي : الجيش ـ وولّوا هاربين إلى حصونهم ، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ : ( الله أكبر ، خربت خيبر ، إنا إذا نزلنا بساحةِ قومٍ فساء صباح المنذرين ) ، فحاصرهم بضع عشرة ليلة ، وكان أوّل ما فتح من حصونهم : حصن ( ناعم ) ، ثمّ ( القموص ) ، ثمّ حصن( الوطيح والسلالم ) وكان آخر الحصون فتحاً حِصْن (خَيْبَر ) . وفي خيبر بعث رسول الله ـ ـ أبا بكر برايته ـ وكانت بيضاء ـ وعقد له ، فرجع ولم يَكُن فتح وقد جهد . ثمّ بعث في الغد عمر بن الخطّاب برايته ، وعقد له أيضاً ، ومعه الناس ، لكنها لم تفتح . خرجت كتائب اليهود يتقدّمهم ياسر ـ أو ناشر أخ مرحب ـ فكشفت الأنصار حتّى انتهوا إلى رسول الله ـ ـ ، فاشتدَّ ذلك على رسول الله ، وقال صلى الله عليه وسلم: " لأبعَثَنَّ غداً رَجُلاً يُحبُّ اللهَ ورسولَه ، ويحبَّانه ، لا يولي الدبر ، يفتحُ الله على يَدَيه " ؛ فتطاولت الأعناق لترى لمن يعطي الراية غداً ، ورجا كلّ واحد من قريش أن يكون صاحب الراية غداً ، فلمّا أصبحوا دعا رسول الله ـ سيدنا عليا ، فقيل له : إنّه يشتكي عينيه (أي فيه رمد ). فلما جاء سيدنا علي أخذ من ماء فمه ، ودَلَّك عينيه فَبَرئَتَا ، حتّى كأنْ لم يكن بهما وجع ، ثمّ قال : " اللَّهُمَّ اكفِهِ الحَرَّ والبَرْد " ، فما اشتكى من عينيه ، ولا من الحَرِّ والبرد بعد ذلك أبداً . فعَقَد ـ ـ لسيدنا علي ، ودفع الراية إليه ، وقال له : " قَاتِل ولا تَلتَفتْ حتّى يَفتح اللهُ عليك" ، فقال سيدنا علي :" يَا رَسولَ الله ، عَلامَ أقاتِلُهُم " ؟ فقال ـ ـ : " عَلى أن يَشهدوا أنْ لا إلَهَ إلاَّ الله ، وأنِّي رسول الله ، فإذا فعلوا ذلك حَقَنوا منِّي دماءهم وأموالهم إلاّ بحقِّها ، وحِسابُهُم عَلى اللهِ ـ عزَّ وَجلَّ ـ " . فقال سلمة : فخرجَ والله يُهروِل وأنا خلفه ، نتَّبع أثره ، حتّى ركز رايته تحت الحصن ، فخرج إليه أهل الحصن ، وكان أوّل من خرج إليه منهم الحارث ـ أخ مرحب ـ وكان فارساً ، شجاعاً ، فانكشف المسلمون ، وثَبَتَ سيدنا علي ، فتضاربا ، فقتله سيدنا علي ، وانهزم اليهود إلى الحصن . فلمّا علم مرحب أخاه قد قتل نزل مسرعاً ، وقد لبس درعين ، وتقلَّد بسيفين ، واعتمَّ بعمامتين ولبس فوقهما مغفراً وحَجَراً قد أثقبه قدر البيضة لعينيه ، ومعه رمح لسانه ثلاثة أشبار ، وهو يرتجز ويقول : قَدْ علِمَت خَيْبَرُ أنِّي مَرْحَبُ ** شَاكي السِّلاح بَطلٌ مُجرَّبُ أطعنُ أحياناً وحِيناً أضرِبُ ** إذا اللُّيوث أقبلَتْ تَلتَهِبُ فردّ علي عليه ، وقال : أنَا الذي سَمَّتْني أُمِّي حَيْدَرة ** أكِيلُكُم بالسَيف كَيل السَّـندَرَة لَيثٌ بِغابَاتٍ شَديد قَسْوَرَة فاختلفا ضربتين ، فبدره سيدنا علي فضربه ، فقدَّ الحَجَرَ والمغفر ورأسه ، حتّى وقع السيف في أضراسه فقتله ، فكبَّر سيدنا علي ، وكبَّر معه المسلمون ، فانهزَم اليهود إلى داخل الحصن ، وأغلقوا بابَ الحِصْن عَليهم . وكان الحِصْنُ مُخَندقاً حوله ، فتمكَّن سيدنا علي بن أبي طالب من الوصول إلى باب الحصن، فعالجه وقلعه ، وأخذ باب الحصن الكبيرة العظيمة ، التي طولها ثمانون شبراً ، أي : أربعون ذراعاً ، فجعلها جِسراً فَعبر المسلمون الخندق ، وظفروا بالحصن ، ونالوا الغنائم . ولمّا انصرَفَ المسلمون من الحصن أخذ علي الباب بيمناه ، فَدَحى بِهَا أذرعاً من الأرض ، وكان الباب يعجزُ عن فَتحِه أو غَلقِه اثنان وعشرون رجلاً منهم . وقد قال الشاعر في ذلك : يا قَالِع البَابَ التي عَن فَتحِهِ ** عَجزَتْ أكفٌّ أربَعُون وأربَعُ وكان هذا الفتح والنصر للمسلمين في السابع من شهر رمضان عام سبعة هـ .
عنوان الكتاب
أبو زياد محمد مصطفى
دينا عبد المتعال


غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم
تاريخ الإسلام
غزوات الرسول
السيرة النبوية
غزوة خيبر
القصص الدينية
قصص القرآن
نبي الله محمد
المعجزات
الأنبياء والرسل
اليهود في القرآن
الجهاد في سبيل الله
شهر رمضان
الفرائض