مقطع مجموعة من الحكايات الممتعة جدتي زبيدة الساحرة جدتي زبيدة ساحرة! هذا ما توصلت إليه فكل ما يخصها له سحر خاص، حتى نظارتها، كانت تريها الأمور بشكل مختلف. وصوتها له صدى ووقع مميز، يأخذني للبعيد فأسرح في مدن غريبة، بل إنها كانت تكلم الحيوانات والنباتات أيضاً !! سمعتها ذات يوم وهي تتحدث لنبتة صغيرة أن شدي من همتك واكبري !! وفعلاً لم يمض سوى أيام وكبرت النبتة وازدهرت. ولم تكتف الجدة عند هذا الحد، بل كانت تتمتم بعدة تعويذات مفيدة، فعندما مرض أخي سمعتها تردد ( اللهم اشف حفيدي وبارك لنا فيه، وفي دراريه ) حتى علمت أن دراريه تعني الكواكب المتلألئة.. وبالفعل شفي بعدها تماماً. ولا أنسى كلماتها التي رددتها لتهدأ بلا صراخ أختي الرضيع لتنام ( هو هو نناهو ).. وأخرها، عندما صحوت من نومي ولم أجدها لحين أخبرتني والدتي أنها قد رحلت للسماء، فلا عجب من ذلك. كلام الرجل الوردي: يحكى أن رجل وردياً طيب القلب، كل ما فيه وردياً، يعيش في بيت بسيط، لم يكن له حديقة، حيث إنه وزع على أركان البيت زرعاً أخضر، فلاً، وريحاناً، ونعناعاً. وكان دائماً يقول: (أنني أسير في الحياة كأنها حديقة الله، مليئة بالزهور والورود الوردية ، أحياناً يكون ملمس الحياة مثل أوراق الورد ناعماً، وغالباً ما يكون مختلف النعومة والخشونة مثل جذوع الأشجار، وقليلاً ما يقابلني أشواك، ونادراً ما تنغرز شوكة فتدمي أصبعي فينزل منها دماً أحمر، لا أشعر بالندم وقتها لأن دنياي الوردية قد فازت بزهرة متفردة حمراء ). كنت أشعر بالراحة، وكلما مرت بي تجربة أليمة قلت إنها تجربة مميزة كحديقة رجل الوردي. سارة والقاهرة: كانت زيارة القاهرة أمراً عجيباً بالنسبة لجدتي سارة، بعكسنا نحن، فقد فرحنا كثيراً لذلك؛ لما تحوله جدتي ببساطتها لطرائف جميلة قبل عشرين عاماً. ذكر خالي أن جدتي بقيت طوال ست عشرة ساعة تبسمل وتحوقل، وهو زمن الرحلة بالقطار من أسوان للقاهرة، حيث كانت تسأله، لماذا لا يسكت القطار من صراخه!؟ حتى عندما وصلنا كانت تنظر بريبة وتتساءل: كيف لعربة قصيرة حمْلنا ونحن ذو قامات طويلة؟. ولم تكتفي الجدة بذلك بل إنها نظرت للعمارة عند رجوعنا للمنزل محاولة الابتعاد مخافة أن تقع عليها من ارتفاعها !! وبعد إلحاح شديد من خالي محاولاً جعلها تدخل المصعد؛ لأنها ترفض حيث أطلقت عليه اسم العلبة !! وتتساءل: كيف لدلو بئر كما أفهمها خالي أن يسحب اثنين والأمتعة أيضاً!! وعندما جاء جواب خالي: (الكهرباء)، اندهشت وهي لا تعرف من الكهرباء سوى شعاع المصباح. صعدت السلم بخطوات بطيئة إلى أن وصلت لبابنا المفتوح. جدتي سارة لا تعرف شيئاً عن الكهرباء فالتلفاز جعلها تبسمل طوال خمسة عشرة يوماً قضتهم في القاهرة!! إضافة إلى أنها لم تسمع الكلام أو تجيب عنه بطريقتها الخاصة. فتقول مثلاً: (الشمسية) وتنطقها (السمبكلية) كانت كل ما نقوله ترد عليه بطريقة غريبة، إلا أنه بالرغم من بساطتها وأميتها، ما زلت أتذكر ملمس يديها الحاني فوق ظهري إذا ما مر بي حادث حزين، وصوتها يردد ( الله كريم.. لا تحزني سيبدل الله الضيق فَرجاً ). أن تكوني عنزة: جدتي سارة، كانت تقول: لو لم أكن أنا لتمنيت أن أكون عنزة " !! طيبة، صغيرة، ناعمة، صوت رفيع، وشجاعة جداً، طيبة تسير بهدوء ونعومة، وحولها تتحرك الدجاجات، وتأكل بهدوء، ويشاركها الجميع دون أن ترفضه، صغيرة، ملامحها دقيقة سوى عينيها الواسعتين اللتين تتعجبان كل من يراهما. رقيقة، أقدامها رفيعة، خطاها هادئة، صوتها رفيع، حتى قرناها صغيران جدا جداً. إضافة إلى أنها لا تخاف شيئاً تمشي بخطى واثقة، ولا تخاف إلا ممن يقترب منها بعنف. طاقية المدهش: عندما اشترى (المدهش) طاقيته، من أول بائعة عجوز تجلس بالسوق وضعها فوق رأسه، وكان سعيداً، مع العلم فهذا الرجل كان يدعى منذ زمن (أحمد أو ناصر أو جرجس)، لكن أهل قريته أسموه ا(لمدهش). اعتاد المدهش أن يبقي طاقيته عليه إلا إذا أراد غسلها أو ليغسل شعره. أحبت أسرته الطاقية كثيراً، لذا قرروا أن يقيموا احتفالاً بها، فدعوا كل من في القرية، وامتدت الموائد، وجلس الجميع يتناولون الطعام والشراب. وهناك اقترح ناظر المدرسة أن يتخذوا الطاقية شعاراً للقرية، فوافقه الجميع. وفيما بعد كانت كل بيوت القرية قد رسمت على بوابتها طاقية حمراء وهكذا أصبحت القرية كلها قرية مدهشة.. آمنة والنعناع: (شاي بالنعناع) هو المشروب المفضل لخالتي آمنة في وقت العصر، خالتي هذه من أطيب مخلوقات الله، وجهها بشوش وغالباً يملؤه الضحك، تحب العطور والجمال والرقة والحب. ولأن خالتي آمنة تحب النعناع أحببته مثلها، وشعرت أنه ـ النعناع ـ طيب جداً، ويلون طعم الماء بمذاق العافية. رائحة الغابة: مل القرد غابته، وأراد الذهاب للمدينة حتى وقع في شباك الصياد، حيث تم نقله ليشتريه صاحب السرك. هناك أحب القرد للبشر والأنوار اللامعة، إلا أنه اشتاق كثيراً لضوء القمر وهو منعكس على ماء البحيرة. في كل لحظة يسرح القرد بأطياف الغابة، حيث يتذكر الغزلان، والطيور، والأفيال، ورائحة أوراق الشجر، ولكثرة شرود القرد قرر صاحب السرك بيعه لحديقة الحيوان. عندها عرف أنه لن يعود لغابته أبداً، حيث كان القرد يمضي الوقت في اللعب في الحديقة ويتقبل هدايا الأطفال من فول سوداني، وموز، وفي المساء يمد يده لأقرب جذع شجرة ليشم رائحة الغابة. خالي والحصان: كان أخوته يميزونه بأنه لا يملك أرضاً ولا زرعاً، وكان كل ما يملكه خالي جمال عصاً وحصاناً وبسمة عريضة تملأ وجهه البشوش، وقلبه الفائض حباً وخيراً. رد عليهم خالي بأن لديه عصاه التي تحميه من الكلاب الضالة، وحصانه قاطرته التي ينطلق به إلى حيث يريد، وبسمته التي تزيح عنه الهموم والتعب.. سأله أخوته: من أين لك لتأكل!؟ فقال: إنه بعصاه يدق على أغصان الشجر، فيقع الثمر ويأكله. وحصانه سيطعمه الله من أرضه الواسعة. إلا أن جدي أوضح له أن الثمرة ملك لصاحب الزرع، ولا بد من عمل يكفيه من مشقة السؤال. فكر خالي كثيراً وجرب أعمالاً كثيراً إلا أنه لم يفلح بأي منها فهو لا يجيد أي حرفه من صغره، بل كان يُعرف بالعصا والحصان التي يراقصها بالأعراس. تعب خالي كثيراً حتى عثر على العمل المناسب، فباع حصانه، واشترى بثمنه مهرين، وما إن كبرا حتى باعهما، واشترى أربعة أمهر، وبنى بالباقي بيتاً واسعاً، له ولخيليه، وعلق عصاه على الحائط، وبقيت بسمته الطيبة تنير المكان. جدي عوض: جدي (عوض) يجلب الجمال، ويمشي بها من السودان إلى مصر فوق رمال الصحراء، وعندما يصل إلى حدود بلدتنا (دراو) يضع يده في جيبه، ويخرج حبوب القمح، وينثرها على الطريق قائلاً: (اللهم انشر الخير في بلدنا، واجعل عمرنا كالقمح، سنابل تطعم الآخرين). بعدها يترك جدي الجمال، ويكمل رحلته إلى منزله في منطقة الغابة حيث أشجار اللبخ الكثيفة. جدي كعادته قليل الكلام، لكنه إن حكى قال الكثير.. ذكر مرة أنه مشى في الصحراء، فيكون عرقه ندى، ويكون هو الزهرة. وعند اشتداد الحر، ونفاد ماء الجبين يتخيل أنه رأى أشجار اللبخ مزهرة في قلبه، ويرى اليمام يرفرف، ويحس بطعم التمر قبل لمسه. قصة ذات صباح: كان هناك رجل طيب القلب، واسع العينين، يعيش في غرفة صغيرة، كل من زارها شعر أنها ضيقة، لما تحمله هذه الغرفة من أدوات رسمه، وأقلامه، وألوانه، ولوحاته، وعمل سريره ومقعده، وكل ما يخصه إلا أنها تبقى جميلة جداً. ذات صباح فتح الرجل عينيه الواسعتين على صورة اليمامة، فتبسم، وفي الظهيرة وضع بعض الحبوب والماء لها. كل يوم يأتي للغرفة ضيف جديد، وكل مرة يذهب ليقدم لهم الطعام، ولكن بعد ذلك لم يعد الرجل يحتاج إلى أن يجلب لضيوفه شيئاً؛ لأن الحشائش الخضراء وسنابل القمح قد فرشت أرض الغرفة، وكل من زار واسع العينين شعر وكأن الغرفة اتسعت، فيشمون رائحة النعناع، ويشعرون بأن اللوحات تتحرك.
عنوان الكتاب
أمل فرح
إيهاب شاكر


السحر - قصص الأطفال
الحب - قصص الأطفال
الحكمة
التسامح
القصص الخيالية