مقطع تذكر القصة أنه كان لملك بريطانيا (لير) ثلاث بنات؛ الأولى تدعى "غنريل" وهي زوجة دوق مقاطعة (ألباني)، والثانية تدعى "ريفان" وهي زوجة دوق مقاطعة (كرونويل)، أما الثالثة وهي أصغرهن فتدعى "كورديليا" وهي ذات جمال بارع، وكان كل من ملك فرنسا ودوق مقاطعة (بورغونيا) يتنافسان على طلب يدها. وعندما بلغ الملك لير سن الثمانين شعر بالوهن يتسرب إلى قواه، فعزم عندئذ على التخلي عن العرش وتسليم الملك إلى أيدٍ أكثر فتوة منه، فأرسل خلف بناته الثلاث ليفهم من أفواههن مدى محبتهن نحوه، فصرحت أمامه ابنته الكبرى والوسطى بسيل من الألفاظ والأقوال التي تستخدم للتظاهر بالمحبة وتصنع المودة، فأعطى كل واحدة منهما الثلث من مملكته، وعندما التفت إلى ابنته الصغرى كورديليا جاء جوابها بسيطاً جداً لأبيها إذ أعلمته أنها تحبه وتجله بالقدر الذي يمليه عليها واجبها تجاه كونه أباً لها دون زيادة أو نقصان، وهنا استاء الملك من هول الصدمة؛ لأنه لم يستطع إدراك حقيقة المغزى الذي ترمي إليه كلمات كورديليا المعدودات؛ فكلماتها لم تشبع أنانيته وغروره بنفسه، فأعلن عن حرمان ابنته من كل شيء، وإضافة الثلث المتبقي من مملكته إلى حصتي ابنتيه الأخريين مناصفة بحيث غدت كل واحدة منهما تمتلك نصف المملكة تماماً، ويشاركهما زوجاهما كي يقوما بأعباء الحكم مناصفة، ولم يحتفظ سوى بلقب الملك فقط أما إقامته فوزعها بين قصري الدوقين بحيث يحل ضيفاً على كل منهما شهرياً وبالتناوب. حاول الوزير "كُنْت" وكان رجلاً عاقلاً وسديد الرأي إيقاف تصرفاته غير الصحيحة، ولكن الملك عمد إلى نفيه. وهنا جاء دور كل من ملك فرنسا ودوق (بورغونيا) حيث دعاهما الملك لير ليسألهما إذا كانا لا يزالان مصرين على الرغبة في الزواج من كورديليا، فأعلن الدوق تنازله عن طلب يدها أما ملك فرنسا فأكد عزمه على مصاهرته عن طريق هذه الابنة، ثم طلب من كورديليا أن تستأذن أباها وشقيقتيها بالرحيل معه إلى مملكته الجميلة. وما كادت كورديليا تعبر الحدود البريطانية حتى بدأت شقيقتاها تكشفان عن ميولهما الخبيثة، فقبل مضي الشهر الأول من إقامة الملك في قصر ابنته الكبرى غنريل اكتشف الملك الفرق بين ما هو موعود به وبين الذي ينفذ بالفعل فأخذت تعبس في وجه أبيها كلما التقت به، وأوعزت إلى حاشيتها وخدمها بعدم الاكتراث بأوامره. قرر الوزير كُنْت العودة إلى إنجلترا خفية ليقوم بواجبه في إنقاذ المملكة من المساوئ المحتملة وهذا ما كان، فقد عاد الوزير المخلص إلى قصر الملك متنكراً بصفة خادم بسيط، وقد كان لمواقفه النبيلة نحو الملك الأثر السريع في جذب عواطفه فأطلق عليه اسم "قاووس"، وقد أقدم سائس خيل ابنته على تحدي الملك فثارت ثائرة قاووس وبادره بصفعة قوية انتصاراً لسيده. كما كان هناك ممثل هزلي يعمل نديماً للملك منذ زمن بعيد وهو يقيم في قصره ويدرك الخطر الذي يهدد الملك، لهذا كان يسعى دوماً لتضمين أقواله العبارات التي تغمز من سوء تدبيره وتشير إلى المخاوف المتوقعة من وراء الستار. وفي الواقع أن ابنته لم تتحمل إقامة أبيها وحاشيته فخيرت أباها بين أن ينقص عدد أفراد حاشيته أو أن يرحل إلى حيث يشاء. وعلى أثر هذه الحادثة دب النفور بين الأب وابنته غنريل، وصمم على الرحيل إلى قصر ابنته الوسطى ريفان التي كان يتوقع منها حسن المعاملة. وعندما غادر موكب الملك رأى الملك أنه من الأنسب إرسال خادمه قاووس لإعلام ابنته وزوجها بقدومه، ولم يكن يعلم بما سبقته إليه ابنته الكبرى بإرسالها الاتهامات المرعبة بحق أبيها وبطانته فعمدت إلى اعتقال قاووس، وعندما واجه السائس عمد إلى إهانته وتحداه بالمبارزة إلا أن السائس الجبان رفض فأشبعه قاووس ضرباً ولكماً، ولما علمت ريفان غضبت وأوعزت بتكبيل قاووس بالحديد وجعلته في مكان تقع فيه أنظار أبيها فور وصوله وما كاد يصل موكبه إلى هناك حتى فوجئ بما هو أدهى من هذا فقد قررت إيفان وزوجها عدم الخروج لاستقبال والدها، إلا أن الملك أصر على طلبه، فلبيا طلبه وهما يستصحبان غنريل، فكان هذا المشهد الفعل السريع في إيقاظ جروح الأب المسكين. وهنا قرر الملك السفر إلى بلاد فرنسا ولما جن الليل هبت عاصفة شديدة مصحوبة بالبرق والرعد والأمطار الغزيرة المنهمرة، فامتطى الملك فرسه وانطلق إلى الفلاة مفضلاً قضاء ليلته في ذلك الجو الغامض عن أن يضمه وهاتين الشريرتين سقف واحد. كان الملك قد ابتعد عن كل صديق ما عدا نديمه الخاص الذي ظل يتبعه ليكون قريباً منه في محنته وكذلك خادمه قاووس الذي استطاع الإفلات من براثن الاعتقال وأخذ يسعى جاهداً لإقناع سيده بالذهاب معهما إلى قصر (الدوفر) الخاص بأحد الأمراء الموجودين في ذات المقاطعة التي ينتسب كُنْت إليها، وبعد ذلك أبحر كُنْت إلى فرنسا، وفي فرنسا روى لكورديليا تفاصيل الإساءة التي ارتكبتها شقيقتاها بحق أبيهما، الذي أصبح في حالة يرثى لها فذعرت الابنة من هذا الخبر وأقنعت زوجها بالإبحار إلى انجلترا، وما هي إلا أيام قلائل حتى تحرك الجيش الفرنسي مبحراً باتجاه (الدوفر) وفي تلك الأثناء كان الملك قد فر من القصر وهام على وجهه في الحقول المجاورة له وهناك عثر عليه جنود كورديليا، ونزولاً عند رأي الأطباء فإن كورديليا أرجأت رؤية والدها إلى وقت اللجوء للنوم حيث أسقي بماء بعض الأعشاب المهدئة للأعصاب وكان مشهد اللقاء بين الاثنين مؤثراً للغاية. وبالعودة إلى الشقيقتين الشريرتين اللتين لم تكونا لتعتمدا على أحد في إدارة شؤونهما سوى "إدموند" الابن الثاني لحاكم مقاطعة (كلوسيتر) المتوفى؛ حيث كان بارعاً في الخداع والمكر والدهاء، وبتعاون هذا الثلاثي الماكر استطاع إدموند التغلب على أخيه الأكبر "إدكار" فغدى الحاكم المطلق للمقاطعة المذكورة، وحين توفي زوج ريفان سنحت لها الفرصة لإبداء رغبتها بالزواج من إدموند، الأمر الذي أثار غيرة أختها غنريل فقامت بدس السم لأختها، وعندما كشف زوجها جريمتها ألقى بها في السجن فعمدت إلى الانتحار. وكذلك ماتت كورديليا حيث وقعت أسيرة في يد القوات التي قادها إدموند ضد قواتها وأمر بصلبها في سجنها، وقد أصيب الملك لير بالجنون واستبدت به نوبات قاسية من الحمى والهذيان ولم تتخل عنه حتى لفظ أنفاسه الأخيرة.
عنوان الكتاب
محمد كيلاني


قصص عالمية للفتيان - قصص شكسبير
الحب - قصص الأطفال