مقطع تحكي هذه القصة أنه كانت هناك مدينة هندية تدعى بنارس، وكان لملكها أمنية واحدة يسعى لتحقيقها مجتهدا، ولا يهنأ له بال إلا أن يظفر بإدراكها، وكانت هذه الأمنية هي أن يشيد لنفسه قصرا لم يسبقه إلى بناء مثله أحد من ملوك الأرض أبداً. وبعد تفكير طويل اهتدى إلى طريقة فذّه لتحقيق رغبته وبناء قصره، وذلك بأن يشيّده على عمود واحد الذي يشبه في شكله وهيئته برج الحمام، حيث نادى كبير وزرائه وأمره بإحضار أقدر الحطابين وأبدعهم من كل قاصٍ ودانٍ ليحضروا أضخم أشجار الغابة، فرحل الحطابون حتى وصلوا إلى شجرة كبيرة ضخمة في قرية لا تبعد عن المدينة إلا مسافة يسيرة، وكانت هذه الشجرة مصيبة من أهل القرى، حيث كانوا يعتقدون أن ملكا من الملائكة يسكنها وهو الذي أكسبها ذلك الجمال النادر، وهكذا قرر الحطابون بعد تردد طويل أن يقلعوا هذه الشجرة العظيمة، ولكن بعد أن يرضى بذلك الملك الكريم الذي يسكنها فجاؤوا بأكاليل من الأزهار ونثروا المصابيح في أرجائها وغنى المغنون وأثنوا عليه أحسن الثناء يخبرونه بما هم عازمون عليه، فلما سمع ملك الشجرة ذلك النشيد أدرك غايتهم وعرف مقصدهم وتأكد بأن الحطابين جادون في تنفيذ وعدهم، فقرر زيارة الملك في عالم الأحلام ليستعطفه ويلين قلبه القاسي، ودار بينهما حديث طويل تميز به ملك الشجرة بحسن الحديث وروعة الأسلوب وقوة الحجة وبأنه لا يستطيع الاستغناء عن شجرته التي اتخذها موطنا منذ ستين ألف عام، وأنه تعهد برعايته، ولكن عناد الملك كان الأقوى والمسيطر على الحديث فأحنى ملك الشجرة رأسه إلى صدره ثم قال: لم يبق لي بعد أن رفضت رجائي إلا ملتمس واحد آمل أن تعرني بإجابته وهو أن تأمر الرجال بقطع الشجرة ثلاث قطع، فاندهش ملك بنارس من مطلبه، وقال الحين تلتمس منى أن أعذبك وأذيقك الموت ثلاث مرات، فقال ملك الشجرة كلا أيها الملك العظيم إن ما يهمني أن جماعة من أطفال الشجرة النامية من أسرتي عاشت تحت ظلي فإذا أسقطت شجرتي عليها مرة واحدة هلكت واستسلمت إلى الموت، وإن حبي وشفقتي وبِرّي بهم يدفع إلى تقطع أوصالي لتنجو أكثر الأشجار من الهلاك، فهل أنت مجيب لي هذا الرجاء؟ فاستولى العجب على ملك بنارس مما سمع وقال علي أن أجيبك إلى هذا الالتماس، ولما جاء اليوم التالي نادى ملك بنارس وزيره وأمره باستدعاء الحطابين إليه ولما مثلوا بين يديه قال لهم لقد عدلت عن رأي ولا حاجة بي إلى اقتلاع الشجرة التي أمرتكم بإحضارها إلى مدينتي، وقد خطر ببالي أن أقيم عمودا من الصغير الصلب في مثل ارتفاع هذه الشجرة لأشيد عليه قصري الجديد، وبالفعل بُني القصر الجديد وتحقق أمل ملك بنارس وعاش به أجمل أيامه حتى مات فيه.
عنوان الكتاب
كامل كيلاني


أساطير العالم
مساعدة الآخرين