مقطع تتحدث القصة عن (الخليل بن أحمد) الذي تعلم القراءة والكتابة ومبادئ الحساب على يد والده، والذي أرسله فيما بعد إلى مسجد البصرة ليقرأ القرآن ويحفظه؛ فكان أقوى أبناء البصرة ذاكرة، وأكثرهم ذكاءً، وكان ذلك على لسان معلمه، فأتم حفظ القرآن، وتلقى والده التهاني من الجميع، وتنبأ له معلمه بمستقبلٍ وشأن عظيم. كان الخليل بعد ختمه للقرآن يقبل بشغف على حضور حلقات الدرس العلمية المحاطة بعلماء عظام في مسجد البصرة، وعندما بلغ العشرين من العمر انضم الخليل إلى جيوش المجاهدين في الشام، وقد حمل معه كتبا في النحو العربي وبعد عامين رجع وعلم بوفاة والده مما أثر فيه تأثيرا شديدا؛ فبقي أياما في البيت، وبعدها قرر أن يخرج لحضور إحدى حلقات دروس اللغة وكانت للعالم (أبو عمرو بن العلاء) والمفاجأة فيما بعد أن الخليل صار أعلم من أبي العلاء في النحو، ويرجع السبب إلى وجود علماء النحو معه في معسكرات الجهاد من العراق والشام. طلب العالم اللغوي (الفارسي) يوما من الخليل أن يناظر أبا عمرو إلا أن الخليل رفض ذلك خوفا من أن يتملكه الغرور لو تغلب على أستاذه، وكذلك احتراما لكبر سنه، وللفترة التي قضاها في تدريس النحو وهي خمسين عاما. تزوج الخليل، وتوفيت أمه بعد أن بلغ الثلاثين من عمره، وصار يعطي دروسا، ويقيم حلقات علمية في بيته الذي ورثه من والده؛ فأتاه في يوم من الأيام رجل ومعه ابنه (إبراهيم) فطلب من الخليل أن يقبله مع المجموعة ليعلمه على يده، وكان الصبي واثقا من نفسه هادئا في إجاباته، وكان يجيب على أسئلة الخليل بذكاء و فلسفة على الرغم من صغر سنه؛ فبشره الخليل بأن ابنه سوف يصبح أول فيلسوف عربي، وأنه لا يحتاج لعلم الخليل لشدة نبوغه. كان الخليل أول من وضع علامات التشكيل على الحروف، وهو مؤلف علم العروض و علم القوافي، وكل ما يخص الشعر العربي ردا على سخريه الفرس من العرب وزعمهم بأن الشعر العربي لا تحكمه ضوابط ولا قواعد. وكان من تلامذته العالم النحوي (سيبويه)، وجمع آخر من العلماء البارزين. ومما تميز به الخليل عزة نفسه التي رفعت من منزلته وقدره بين أهل البصرة؛ فعندما أرسل إليه أمير الأهواز رسولا، ومعه مائة ألف درهم حتى يجهز أهله بها ويذهب معه ليقيم في قصر الأمير ، ويعلم أبناءه وبناته، أبى الخليل أن ينقص من قدره؛ فعلم الأمير بالأمر وخجل من نفسه، ثم أرسل المائة ألف ليتبرع بها خالصة لوجه العلم. وبعد سنوات عم الجفاف البصرة فجفت المياه، وندر الطعام، وانتشرت الأوبئة؛ فرحل الخليل من البصرة مع أهله متجها إلى خراسان بدعوة من أميرها؛ فحزن أهل البصرة على فراقه، و لكن لم يثنه ذلك عن الاستمرار في طلب العلم وتحقيق رغبته في جمع كلام العرب ولغته في معجم واحد احتوى جميع الأفعال ومعانيها، والأسماء ومشتقاتها، وعمل معه على وضع المعجم علماء لغة كونوا فريقا ، وسمي المعجم بمعجم العين، ولكن لأسباب صحية لم يستطع الخليل إكمال مهمته في إنهاء المعجم، وأيضا لحنينه إلى البصرة، فترك لهم مهمة إنهاء ما بدء به، ورجع إلى البصرة، واستقر بها شهورا ثم غادرها لأداء فريضة الحج، ورجع إلى البصرة واستقر بها، وكان قد بلغ من العمر خمسة و سبعين عاما. توفي العالم الخليل إثر حادث وقع له في مسجد البصرة الذي كان يرمم إذ عثر بخشبة ٍ ملقاةٍ على الأرض فارتطمت جبهته بعمود فانشج رأسه وسقط مضرجا بالدماء، ومن ذلك الوقت خسرت الأمة العربية عالما فذا لم يكن ليقف عن البحث والعلم لحظة واحده من حياته.
عنوان الكتاب
سليمان فياض
إسماعيل دياب


علماء العرب
المعاجم
المعاجم العربية - تاريخ
اللغة العربية - تاريخ
اللغة العربية - قواميس
الخليل بن أحمد
الحضارة الإسلامية