مقطع تذكر القصة أنه كان في قديم الزمان فلاح فقير اسمه "عثمان" لا يملك من الدنيا غير فأس قديمة، هي كل رأس ماله في الحياة، وكان لا يفارقها أبدا إلا عند النوم؛ فبها يربح قوت يومه. وفي أحد الأيام ذهب عثمان إلى النهر ليمهد لصاحب الأرض الذي يعمل عنده قناة جديدة؛ ليروي منها زرعه القريب من النهر، وفجأة اختل توازنه وسقط في الماء وسقط معه فأسه، وسارع عثمان يبحث عنها في كل مكان ولكن دون جدوى، وبعد مجهود شديد يئس المسكين من العثور على فأسه الضائعة، وأخذ يبكي بكل شدة لعل بكاءه يخفف عنه بلواه، وفجأة سمع شخصا يقول: ما بك أيها الرجل الباكي؟ التفت عثمان وكم كانت دهشته عندما رأى رجلا أسود اللون، غريب المنظر، يضع تاجا ضخما على رأسه، ويمسك بعصا مدببة ويقف في وسط النهر، قال عثمان: من أنت؟ فرد عليه العملاق: أنا ملك النهر، فأعاد عليه السؤال: والآن أخبرني لماذا كنت تبكي؟ فأنا سوف أساعدك. قال عثمان: إذا كنت حقا ملك النهر فأمر مخلوقاتك أن تحضر لي فأسي التي سقطت في هذا النهر فأنا لا أملك غيرها. ضحك ملك النهر وقال: لحظة واحدة وتكون عندك فأسك أيها الرجل الطيب، وغاص في أعماق النهر وخرج بعد دقائق وبيده فأس ذهبية ولكن عثمان قال: هذه الفأس ليست لي، وليس من أخلاقي السرقة، فأنا فأسي من الحديد، فكيف آخذ شيئا لا أملكه؟ غاص ملك النهر مرة أخرى، انتظر عثمان والأمل يملأ قلبه، وما هي إلا ثوان معدودة حتى عاد ومعه فأس عثمان الحقيقية وقال: خذ أيها الرجل الأمين فأسك، ومعه الفأس الذهبية جزاء لأمانتك وطيب قلبك. عاد عثمان إلى منزله يحمل الفأسين، وفي صباح اليوم التالي باع قطعة صغيرة من الفأس الذهبية واشترى قطعة أرض طيبة، وبعض المواشي، وبنى بيتا ريفيا جميلا تحيط به أرض يزرعها بنفسه هو وبعض أصدقائه الذين عطف عليهم، وكان من بينهم صديق حميم لعثمان يخصه بأسراره؛ حيث حكى له في أحد الأيام قصته فصدقها. وذهب قبل فجر اليوم التالي إلى النهر، وهناك ألقى الرجل بفأسه بعيدا في الماء وجلس يبكي ويصرخ وفجأة ظهر ملك النهر وسأله عن سبب بكائه، فأخبره الرجل بأن فأسه قد سقط في النهر فأجابه العملاق: لا تقلق سوف أحضرها لك ولكن أخبرني أولا: هل تعرف الفلاح عثمان؟ ارتبك الرجل وقال: لا أعرف أحدا اسمه عثمان، وأقسم بالله على هذا، نظر ملك النهر للرجل بضيق وغاص في النهر، ثم عاد و بيده فأس ذهبية، وبسرعة تناول الرجل الفأس من يد ملك النهر وقال دون وعي: صدق عثمان، شكرا لك أيها المارد الأسود إنها فأسي. ولكن ملك النهر ارتد للوراء وشد الفأس من يد الرجل بعنف وصرخ فيه: أيها الكاذب ألم تقل بأنك لا تعرف عثمان؟ صاح الرجل وهو يتشبث بالفأس الذهبية أقسم أني لا أعرفه، ثم صاح ملك النهر: أيها الكاذب إنها ليست فأسك ولكنها فأس عثمان الذي أضاع سره، وأراد أن يهب لك فأسا مثلها، لكنك كنت طماعا وكاذبا تقسم بالأيمان لغوا وافتراء، وما دمت متمسكا بالفأس فتعال وراءها لتأخذها، وغاص الملك والرجل وسط دوامة كبيرة في أعماق النهر، ومن ذلك اليوم لم ير عثمان ولا أصدقاؤه ذلك الرجل الطماع.
عنوان الكتاب
محسن محمد محسن


كان يا ما كان
القناعة - قصص الأطفال
الصدق - قصص الأطفال