مقطع يحكى أنه كان هناك حطاب عجوز اسمه "حسن" اشتهر بالكرم و الإحسان وفعل الخير، وكان لهذا الحطاب ثلاثة أبناء، هم "نادر" و"مندور" وفتاة اسمها "بدور" وكان الحطاب العجوز يحب أبناءه كثيرا، ويحثهم على حب الخير والإحسان والاعتماد على النفس. وذات يوم جمعهم وقال لهم: استمعوا إلي يا أحبائي.. لقد كبرت في السن وقد أموت في أية لحظة، ولا أريد أن أترككم عالة تتعففون الناس، فردوا: نحن رهن مشيئتك يا أبي، فماذا تريد منا أن نفعل؟ قال: بوركتم يا أبنائي، كل ما أريده منكم هو اعتمادكم على أنفسكم ولكن كلا بدوره؛ فغدا دور مندور وأريده أن يوافيني إلى الغابة عندما تشرق الشمس. فرد مندور: ولكنك تعلم يا أبي أن أحدنا لم يغادر الكوخ منذ أن ماتت أمنا. فقال الحطاب: أعلم هذا، ولذلك أردتكم أن تشتركوا في هذه التجربة، وأن تواجهوا الحياة بالغابة وحدكم دون مساعدة أحد، ولا تخافوا سوف أساعدكم حتى لا تضلوا، وذلك بأن أرمي لكم حبات الفول على الطريق حتى تهتدوا إلى مكاني. تم ذلك، وخرج مندور في الصباح الباكر يسير في ذلك الطريق حتى تعب من كثرة السير، وأحس بأنه أضل طريقه حتى حل الظلام وأصبحت الغابة مخيفة وموحشة، وبعد مشقة وعناء استطاع مندور أن يرى مصدر ضوء منبعثا من أحد الأكواخ القريبة، فذهب إليه وطرق الباب، ففتح له شيخ أسمر اللون، دميم الخلقة وقال: ماذا تريد يا فتى؟ قال مندور في توسل: لقد ضللت طريقي في الغابة، وأنا جوعان وظمآن فرحب به الشيخ وأدخله، وفوجئ مندور بوجود العديد من الطيور داخل منزل هذا الشيخ، كذلك وجود كلب عجوز كثير النباح. قدم الشيخ الطعام إلى مندور الذي أسرع يقفز إلى مكان الطعام والتهم ما قدم له، وهنا سمع ضجة الطيور الغريبة تملأ المكان مع نباح الكلب، فارتفع صوت الشيخ وصاح: لا تغضبن فالأمر لا يستحق كل هذا. وفجأة أحس مندور بجفنيه يداعبهما النوم وأحس بأنه في حاجه ماسه للراحة، فقال للشيخ: هل أستطيع أن أنام هنا؟ لأن النعاس يكاد يغلبني، فوافق الشيخ وقال: اذهب يا فتى إلى الحجرة المجاورة فستجد الفراشين الموجودين في هذا الكوخ، فالأتربة والقاذورات تعم المكان، فأسرع مندور إلى الحجرة التي وصفها له الشيخ و انتقى لنفسه أحسن الفراشين وما كاد يضع جسده المرهق على الفراش حتى سمع الشيخ وهو بادئ الغضب وقال له: انهض أيها الفتى الكسول ونم في حظيرة الحمير والخنازير خارج الكوخ، فقال مندور محتجا: ولماذا أنام هناك؟ قال الشيخ محتدا: إنك فتى أناني لا تحب إلا نفسك، أكلت طعامنا وحدك وتركتنا أنا وهذه الطيور والكلب بدون طعام، وعندما أردت أن تنام اخترت لنفسك أحسن الفراشين دون أن تهتم بي أنا صاحب الدار، فخاف الفتى أن يطرده الشيخ وخرج وسط الأمطار ونام في ركن من أركان الحظيرة. عاد الحطاب حسن إلى بيته مساءً فلم يجد مندورا، وعندما سأله ابناه، قال: لا تبتئسا فغدا بمشيئة الرحمن سأبحث عنه في كل مكان. وفي الصباح الباكر استيقظ نادر وقال له أبوه: اخرج للبحث عن أخيك، ومضى اليوم، وبدور تنتظر عودة أبيها وأخويها حتى سمعت طرقات باب الكوخ، ووجدت أمامها والدها حزينا يقول لها: لم أجد مندورا في طول الغابة وعرضها، ويبدو أن نادرا قد ضل طريقه أيضا، فقالت بدور في نفسها إنها هي التي ستبحث عن أخويها. وفي اليوم التالي كانت تشق طريقها في الغابة تدلها على المكان حبوب الفول المبذورة في الطريق حتى وصلت إلى منتصف الغابة حائرة لا تدري ماذا تفعل؟ حتى اهتدت إلى كوخ الشيخ، فطرقت الباب، ففتح لها الشيخ باسما وقدم لها الطعام كعادته ولكنها رفضت أن تتناول الطعام إلا معه، وبينما كانا يتناولان الطعام توقفت بدور واقتطعت جزءا كبيرا منه ووزعته على الطيور وعلى الكلب بالتساوي، وما كادت تفعل ذلك حتى اهتز الكوخ من حولها ونظرت ولم تجد الشيخ ولا الطيور ولا الكلب ولكنها وجدت أمامها شابا جميل الطلعة في مقتبل العمر وحوله حراس كثيرون ورجل أبيض الشعر بادئ الهدوء والهيبة. فزعت بدور مما رأته حولها وصاحت: أين الشيخ والطيور والكلب؟ قال الشاب أنا الشيخ وهؤلاء الحراس هم الطيور وهذا الوزير الحكيم هو الكلب. اندهشت بدور لما رأته و اطرق الشاب كلامه وقال: أنا الأمير بدران حاكم هذه الوديان وهؤلاء حاشيتي كنا جميعا مسحورين. فقالت الفتاة متعجبة: وكيف ذلك؟ قال الحكيم: كان الأمير بدران فتى طائشا مغرورا يفعل كل ما يريد دون اكتراث، وكنا جميعا نقره على ما يفعل لأننا كنا نحب والده السلطان، وذات يوم خرج الأمير للصيد كعادته، وجرى وراء أرنب صغير في أحد حقول القمح الكبيرة فمررنا بجيادنا فوقها وأفسدناها تماما، فخرجت لنا عجوز غاضبة وصاحت من شدة غضبها: اعلموا يا أنتم أنني لم أعاقب أحدا طوال حياتي، ولكني حكمت عليك أن تعيش شبحا محطما بلا حاشية ولا أتباع إلا إذا قابلتم إنسانا يكون على النقيض من أخويه يحب الناس ويهتم بهم، فكنت أنت يا بدور و أخواك، فهما عندي منذ أيام وفجأة دخل الحطاب ضاحكا يقول: ها هو كل شيء يعود إلى سابق عهده، فقد كنت أعرف القصة منذ بدايتها وأردت أن أختبر أولادي. فقال الأمير: لقد أسديت لي صنيعا لن أنساه لك وإني سوف أتزوج بدورا، وأجعلها أميرة الأميرات. واجتمع شمل أسرة الحطاب من جديد وعاش الجميع بسعادة وسرور.
عنوان الكتاب
محسن محمد محسن


كان يا ما كان
طاعة الوالدين - قصص الأطفال