مقطع في عهد من العهود القديمة عاش رجل يدعى "عروة" وهو شاعر عرف بالقناعة برزق الله عز وجل، حتى إنه كان مختلفا عن أقرانه من الشعراء، الذين كانوا يحصلون على المال عن طريق طرق أبواب الأمراء والخلفاء، ووصفهم بأحسن الصفات وأجملها، والمبالغة في الإطراء الذي يسر السامعين؛ ليستحوذوا على رضاهم، ويحصلوا على عطاياهم من وراء ذلك، ولكن هذا الشاعر المدعو (عروة ) كان مختلفا عنهم جميعا، حتى كانوا يسخرون من نظرته للحياة، فقال بذلك بيت شعر فيه، ويذكره في كل مناسبة ممكنة؛ دليلا على قناعته ورضاه بالأمر الواقع. وفي يوم من الأيام اتفق بعض الشعراء على الذهاب لإحدى المدن؛ لمدح أحد الأمراء، وأخذ ما يستحقونه من المال جزاء ذلك، فقرر عروة ـ وسط اندهاش الجميع ـ السفر معهم فيما أرادوا، فذهبوا، ولكن لحظة وصولهم قصر الوالي، عاتب الوالي عروة ووصفه بأنه لا يعرف القناعة، ولا يتسم بها، عكس ما يقولون ويدعون؛ فغضب عروة وامتطى فرسه عائدا من حيث أتى دون علم باقي الشعراء، وما أن انتبه الوالي لغيابه حتى تساءل عن سبب عدم وجوده بينهم ،فعلم بعد ذلك أنه عاد للمدينة؛ فأمر أحد الخدم بأن يأخذ مبلغا من المال؛ ليعطيه لعروة في بيته؛ فأسرع الخادم للذهاب إليه، ولكن عندما وصل إليه في بيته، قال له سبب قدومه؛ فرفض عروة هذا المبلغ ،حتى يكون بحق قانعا بما لديه، ولكن هذا الخادم أصر عليه أن يأخذه حتى لا يحزن الوالي ويغضب؛ فوافق ـ تحت إلحاحه ـ وردد بيت الشعر المشهور به فالله عز وجل لا ينسى أحدا.
عنوان الكتاب
عبد التواب يوسف
محمود التهامي


تراثي
الصدق
القناعة