مقطع تحكي هذه القصة أن هناك غرابا يشعر بالحزن والأسى والقلق في حياته بما تحملها من مضايقات وكراهية من المخلوقات الأخرى، وخاصة الطيور والإنسان، وعندها قرر إيجاد حل للمشاكل الحياتية والنفسية التي يعانون منها. وفي طبيعتهم، فهم دائما يبحثون عن الأشجار المرتفعة في الأماكن البعيدة عن العمران ويبنون فيها أعشاشهم، فالغراب يعتبر نفسه فصيلة متميزة من حيث وسائله وأساليب حياته، وأيضا له طريقة معينة في الحصول على العيش ولا يشعرون بحرج في الحصول على احتياجاتهم سواء كان عن طريق مشروع أو غير مشروع، ولذلك تبتعد عنهم الطيور وجميع الكائنات ويرفضون التعامل معهم. ولا ترغب فيهم المخلوقات الأخرى. يتعجب الغراب لتلك التصرفات التي يعتبرها تصرفات عدائية بالنسبة له، وأيضا لا يجد تفسيرا لها، وكان دائما يسأل نفسه، لماذا يعاملني الطيور والحيوانات بجفاء وحِدَّة، وأنا أعلم بأنه يصدر مني بعض التصرفات العدائية التي تضايق الآخرين، ولكني أحاول أن أكون طيبا مع الآخرين وأيضا مسالما، ولكني عندما أكون جائعا أقوم بعمل تصرفات سيئة بالآخرين ولكن ليس لي ذنب في ذلك. وعندما اعترف الغراب بأنه يقوم بالكثير من الأعمال السيئة مثل خطف صغار الطيور من عشها، وأيضا الاستيلاء على العش وسرقة غذاء الفلاحين داخل حقولهم، وأن الكثير ينصحني بأن أحصل على احتياجاتي من طريق مشروع لأن الحب والعيش في السلام هو أساس الحياة الهادئة مع المخلوقات الأخرى. والغراب يتحدث مستغربا أن صوته يزعج الطيور والحيوانات الصغيرة، وعندما يسمعونني يهربون مني، كما أن الطيور البرية تتحفز لمهاجمتي في كل مكان، أما الإنسان فيتشاءم ويتضايق عندما يراني أنا وجارتي البومة، ويتوقعون منّا الكثير من الحوادث ويرموننا بالحجارة وهم يقولون: ارحلي يا وجه القبيح يا أسود اللون، مع أن الغراب يجد بأن معشر الغربان لهم فضل على الإنسان، وذلك عندما بعث الله سبحانه وتعالى أجدادنا لتعليم الإنسان الدفن، حين أقدم هابيل على قتل أخيه الطيب. وإننا نساعد الفلاح في تنظيف الأرض والتخلص من الحشرات والديدان، وذلك بالتغذي عليها، وإن أكثر ما يُؤلم الغراب هو رؤية جاره الطيب أبو قردان وهو سعيد مسرور في التغذي على الديدان وقتلهم وهو يفعل ذلك مطمئنا فرحا، والإنسان لا يضايقه أبدا. وفي عقل الغراب ونفسه الكثير من الهواجس، وأيضا في نفسه الكثير من اليأس والاكتئاب، ولكن في ظل هذه الظروف قرر أن يفكر وأن يجد حلا، فقام بعمل تجمعات للغربان في مكان وزمان معين لكي يتشاورون في قضية تناقص عددهم وكثرة استخدام الإنسان للمبيدات الحشرية، وهذا يهدد الانقراض، وفي الكلمة العصماء التي ألقاها الغراب الزعيم وحدد بها أهداف: أولا: البحث عن مكان يصلح لإقامتهم وتجمعهم. ثانيا: العمل على بث الفتن والعداوة وإثارة البغضاء بين بقية الطيور والحيوانات. ثالثا: تربية الصغار على أنهم سادة الطيور. وهكذا بدأ تنفيذ الخطة الموضوعة بكل دقة، وتحوّل المكان إلى مستعمرة أو دولة خاصة بالغربان، ولكن هل ستصبر بقية الطيور على هذا الاحتلال الغاشم لموطنهم؟ لذلك كان على جميع الطيور التكاتف والتوحد في سبيل مواجهة المعتدين، وأن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة. ونظّموا الصفوف لمواجهة الغربان وبرعوا في تنفيذ الخطة بمقاطعة الغربان وحلفائهم، فلا تعاون ولا تفاوض لإقامة أي نوع من العلاقات معهم. ظلت الطيور على هذه الحالة العجيبة تكافح في سبيل موطنها وحقها المشروع في الحياة الآمنة فترة ليست بقصيرة، وتحملوا فيها الكثير من التعب وضيق الحال، وبعد صبر طويل بدأت تلوح بشائر النصر، فقد بدأت أعداد الغربان تتناقص بعد أن أصيبوا وقتلت منهم أعداد كبيرة، لذلك قرر معظم الغربان العودة إلى ديارهم، وباتت خطط زعماء الغربان مهددة بالفشل الكامل، أما بقية الغربان فقد رجعوا إلى موطنهم الأصلي. أما صاحبنا الغراب الزعيم ففقد صديقه وبعض رفاقه، وكان وحده منبوذا من الجميع بلا سند أو معين يشاركهم حياتهم وأمنياتهم.
عنوان الكتاب
فتحي الصنفاوي


التعاون - قصص الأطفال