مقطع يتحدث الكتاب عن التاريخ المصري، الذي مر بثلاث مراحل رئيسة هي: المملكة القديمة: وتشتهر بعصر الأهرامات، وكانت السلطة فيها شديدة مركزية، والمملكة الوسيطة: وقد أعيد فيها توحيد البلاد على يد أمنحوتب الأول، وفي نهايتها خضع شمال الدولة لحكم الهكسوس، والمملكة الحديثة: وفيها طرد أحمس الهكسوس، وأصبح الجيش يشكل قوة كبيرة في السياسة المصرية. حجر رشيد: قديماً، لم تكن عمليات الحفر ـ في مصر ـ تتم من أجل البحث عن آثار أجدادنا لمشاهدة ومعرفة عظمتهم وتقدير مجهودهم الباهر، وإنما من أجل العثور على آثار لبيعها أو اقتنائها، ومن حسن حظ الحضارة المصرية أن تم اكتشاف حجر رشيد، ذلك الحجر الذي ضم مفاتيح اللغة المصرية القديمة، والذي لولاه لظلت الحضارة المصرية غامضة لا ندرى من أمرها شيئا؛ لأننا لا نستطيع أن نقرأ الكتابات التي دونها المصريون القدماء على آثارها. وقد عثر على هذا الحجر بمدينة "رشيد" الواقعة على مصب فرع نهر النيل في البحر المتوسط. ومدينة رشيد أخذت اسمها من الاسم الفرعوني (رخيت) وفى العصر القبطي أصبح اسمها (رشيت)، ففي عام 1799 م عثر أحد ضباط الحملة الفرنسية ويدعى (بيير بوشارد) على حجر رشيد أثناء أعمال رفع الأتربة من قلعة (سان جوليان) والتي تقع بالقرب من مدينة رشيد؛ تمهيداً لتجهيز القلعة لتلائم الأسلحة الفرنسية الحديثة؛ من مدافع وبنادق، وذلك للدفاع ضد الإنجليز والأتراك. وعندئذ وقع بصر الضابط على هذا الحجر، فأرسل به لقائده الجنرال (مينو) الذي أمر بنقله إلى الإسكندرية. حجر رشيد هو مرسوم ملكي من عهد الملك (بطلميوس الخامس) ويرجع تاريخه إلى 196 ق. م. وهو عبارة عن لوحة ذات قمة مقببة تنقسم إلى قسمين: القسم العلوي؛ وهو المقبى وقد نقش عليه منظر ديني، عبارة عن تقديم قربان من الملك بطليموس الخامس لبعض الآلهة ولأجداده البطالمة الأوائل، كما كان معتاداً في نقوش المراسيم الملكية في ذلك العصر. والجزء السفلي منه يحتوي على متن المرسوم الملكي الذي كتب بواسطة كهنة "منف" ومضمون الكتابة شكر وامتنان للملك (بطليموس الخامس) نظرا لقيامه بوقف الأوقاف على المعابد وإعفاء الكهنة من بعض الالتزامات. وقد سجل هذا المرسوم بخطوط ثلاثة وهي حسب ترتيب كتابتها: - الهيروغليفية – الديموطيقية – اليونانية. وقد كتب بالهيروغليفية؛ لأنها اللغة الدينية المقدسة المتداولة في المعابد، وقد فقد الجزء الأكبر من الخط الهيروغليفى. أما الخط الديموطيقى فهو لغة الكتابة الشعبية (العامية المصرية) وكتب الكهنة المرسوم بهذا الخط حتى يفهمه عامة المصريين. ثم الخط اليوناني وهو الخط الذي تكتب به لغة البطالمة الذين كانوا يحتلون مصر حتى يفهمه الحكام الإغريق. ثم نقل الحجر إلى القاهرة، وبعد نقله أمر (نابليون) بإعداد عدة نسخ منه لتكون في متناول المهتمين بالحضارة المصرية في أوروبا بوجه عام، وفى فرنسا بوجه خاص، وحجر رشيد وصل إلى بريطانيا عام 1802 م بمقتضى اتفاقية أُبرمت بين إنجلترا وفرنسا، تسلمت إنجلترا بمقتضاها حجر رشيد وآثارا أخرى. وكانت الحملة الفرنسية في مصر ُتصدر جريدة يقرأها كل الجيش الفرنسي، تطلعهم على الاكتشافات العلمية والتاريخية والدينية وغيرها من أخبار، فأعلنت جريدة قوات الحملة (لاكوريين ديجيبت) نبأ هذا الاكتشاف التاريخي الهام، وتساءلت عما إذا كان وجود الكتابة الإغريقية التي يبدو أنها ترجمة للنص المصري يمكن أن تزودنا بمفتاح لقراءة اللغة الهيروغليفية. الواح العمارنة: هي أرشيف ملكي فريد من نوعه؛ يؤرخ للدبلوماسية المصرية خلال أزهى عصور مصر الفرعونية؛ عصر الملك "أمنحوتب الثالث" المعروف بالباشا؛ نظرا للثراء العظيم الذي نعمت به مصر خلال عهده، عندما كانت تحكم الشرق القديم كله، بالإضافة إلى عصر الملك "إخناتون" الذي خلف أباه "أمنحتب" على عرش مصر ليغير وجه الحياة في الشرق الأدنى القديم، بعدما آمن بالإله الواحد، وأبطل العبادة للآلهة المتعددة، مما أدخله في صراع مرير مع كهنة آمون الأقوياء والأكثر نفوذا. يحتوي أرشيف العمارنة على الرسائل الواردة إلى البلاط الملكي خلال عصري أمنحتب الثالث ومن بعده الملك إخناتون، وبعض الرسائل موجهة إلى الملكة "تي" العظيمة (أم الملك إخناتون). وتعود قصة الكشف عن الأرشيف إلى عام 1885 ميلادية عن طريق فلاحة مصرية كانت تحفر بالقرب من مسكنها للحصول على التربة السوداء لعمل الطوب الآجر، وبالمصادفة عثرت على رسائل العمارنة المكتوبة بالخط المسماري؛ وبعدها قام العالم الإنجليزي "فلندرز بتري" في عام 1891 ميلادية بالكشف عن باقي الأرشيف الملكي الذي وصل عدد رسائله إلى 379 رسالة حتى يومنا هذا، وعلى الرغم من كثرة الأبحاث والدراسات العلمية التي أجريت على رسائل "تل العمارنة" فإنها لا تزال معينا خصبا لمزيد من الدراسات لأحوال الشرق الأدنى القديم خلال عصري أمنحتب الثالث "إخناتون" . والمدهش أنه تم التأكد من أن الملك إخناتون عندما قرر هجر العاصمة طيبة بعد اصطدامه بكهنة آمون، ورفضهم التحول إلى عبادة الإله الواحد الممثلة قوته في قرص الشمس، قام الملك بنقل الأرشيف الملكي من قصر الحكم بطيبة إلى القصر الملكي بمدينة تل العمارنة. وفي كل رسالة إلى الملك إخناتون ومن قبله إلى أبيه أمنحتب الثالث.. معلومات فريدة تظهر العلاقات المتشابكة بين ملوك وأمراء الشرق القديم، ففي إحدى الرسائل يصرخ أمير الشام طالبا من الملك المصري أن يظهر جيشه بالمنطقة حتى – حسب قوله - تهدأ أحوال الإمارات المتصارعة، ويذكّر الأمير الملك المصري بمدى تأثير ظهور الجيش المصري على المنطقة أيام الملك العظيم تحتمس الثالث، وكيف كان مجرد ظهور الجيش المصري يخمد الفتن ويبطل الصراعات بين هذه الإمارات. نفس الأمير بعث برسالة أخرى إلى الملكة الأم تي بعدما يأس من رد ابنها إخناتون، وفي هذه الرسالة ـ وبعد أن أصبغ عليها آيات التكريم ـ نجده يحثها على أن تتحرك وتصحح مسار السياسة المصرية الخارجية، التي انهارت في عصر إخناتون، المنشغل بأمور الديانة الجديدة، وعشقه لزوجته "نفرتيتي" وبناته الخمس. ولا نعرف بالضبط ما إذا كانت هذه الرسالة قد وصلت بالفعل إلى الملكة تي؛ أم وقعت في يد الملك إخناتون أولا وأخفاها عن أمه؛ اتقاء لمناقشة حادة معها. وكل ما نعرفه أن الملكة تي قامت بزيارة ابنها في العمارنة، وذلك في العام الثاني عشر، وبعدها مباشرة تختفي الملكة الجميلة نفرتيتي عن مسرح الأحداث. كيف مات توت عنخ آمون : ينحدر الفرعون "توت عنخ أمون" من فراعنة الأسرة المصرية الثامنة عشر، ومن الجدير بالذكر أنّ أمون قد حظي بشهرته الواسعة ودخوله التاريخ كان بعد وفاته؛ أمّا خلال حياته فلم يكن له أي ذكر، واشتهر في التاريخ، بعد أن تمّ اكتشاف مقبرته وكنوزه بالكامل دون أي تلف، وكان فرعوناً على مصر في الفترة الممتدة ما بين 1334 وحتى 1325 قبل الميلاد، وعندما تولى الحكم كان يبلغ من العمر تسع سنوات، ويعتبر كبير الآلهة المصرية القديمة ترجمة اسم "توت عنخ أمون" من اللغة الفرعونية إلى اللهجة المصرية أو اللغة العربية هي "الصورة الحية للإله أمون"، وكان يلقّب بالطفل الملك نظراً لتوليه الحكم في سن مبكّرة. توفي الفرعون توت عنخ أمون في 1323 قبل الميلاد وكان عمره آنذاك حوالي ثمانية عشر عاماً، وأثارت قضية وفاة الإله توت عنخ أمون ألغازاً كثيرة، وخاصة ما تبعها من أحداث في تلك الحقبة، فقد أثارت الشكوك حول وفاته اغتيالاً وليس إثر حالة مرضية، وخاصة بعد أن أقدم وزيره على الزواج من أرملة توت عنخ أمون، وتنصيب نفسه فرعوناً على البلاد، وقيام وزيره بإتلاف كل ما يثبت وجود توت عنخ أمون وأدلة حكمه على البلاد. حاولت الكثير من الدراسات أن تثبت سبب الوفاة الرئيس لموت توت عنخ أمون، إلا أنّه مازال هناك تخبّط في الأمر، حيث أُخضعت جثته للتصوير الحاسوبي التشريحي الثلاثي الأبعاد فأكّد التصوير إثبات عدم وجود شبهة جنائية في وفاته وأنّ الفتحة الموجودة في جمجمة توت عنخ أمون لم تنشأ إثر ضربة تلقاّها على منطقة الرأس، وإنما تمّ إحداث هذه الفتحة في رأسه بعد وفاته لإتمام عملية التحنيط على جثته، وتوّقع عالم الآثار المصري " زاهي حواس " المشرف على هذه الدراسة بأن سبب وفاته، قد يعزى إلى وجود كسر في منطقة الفخذ الأيسر، ربما يكون السبب في وفاته بعد التهابه. وأفادت دراسة وتحاليل حديثة خضعت لها مومياء توت عنخ أمون، أنّ هناك احتمالية أن فرعون كان مصاباً بمرض متلازمة مارفان، وجاء هذا التوّقع بعد أن تمّ الكشف عن عدم اكتمال عظم سقف التجويف الفموي له، وذلك إثر وجود تشّوه في منطقة الرأس، حيث إن الطول العرضي لجمجمته ليس طبيعياً. ويعّد توت عنخ أمون طويل القامة؛ إذ بلغ طوله حوالي مئة وسبعون سنتيميتراً. وقد اختلفت الروايات في دراسات متتالية أجريت على مومياء توت عنخ أمون، ففي دراسة مشتركة بين جامعتي "ليفربول" وميتشغان" أظهرت تقاريرها النهائية وبعد استعمال أشعة إكس على مومياء توت عنخ أمون، وجود نقطة من الدم وتفسيرها الطبي هو أن الدماغ تعرّض لنزيف دموي. واصل علماء الآثار التنقيب عن القبور إلى أن تمّ التوصل عام 1922 إلى ضريح فرعون مصر توت عنخ أمون، وكانت تحيط به جدران، مرسوم عليها رسوم رائعة، تروي قصة رحيله إلى مثواه الأخير، وكان الصندوق الخشبيّ الذي يحتفظ بجثته منقوشاً بالذهب، وبداخله صندوق آخر مزخرف بنقوش رائعة الجمال مطعّمة بالذهب، وكان ذلك ثلاثة توابيت متداخلة داخل بعضها البعض. توّصل أحد علماء الآثار ـ أثناء مواصلة التنقيب عن القبور ـ إلى تابوت حجري كان قد غطّته طبقة سميكة من الحجر المنحوت على شكل تمثال لتوت عنخ أمون، وبعد رفعه ظَهَر تابوتٌ ذهبيّ رئيس على شكل هيئة أو تمثال لجسد توت عنخ آمون، وصَعُب على العالم تحرير التمثال من الكفن؛ فتم قطع الكفن الذهبي إلى جزأين ليتم الوصول إلى مومياء توت عنخ أمون وكان ملفوفاً بالحرير، وبعد إزالة طبقات الحرير، تم الكشف عن زينته التي كان يتقلدّها؛ كالقلائد الذهبية والخواتم والتاج والعصي المصنوعة من الذهب الخالص، وتم فصل جمجمته عن جسده لإزالة هذه الزينة عن جسده. وانتشرت على مر العصور أسطورة لعنة الفراعنة التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمقبرة توت عنخ أمون، وتم استخدامها بشكّل مكثّف في الأفلام المصرية ودور السينما والأفلام وألعاب الفيديو؛ ما زاد من جعل وفاة توت عنخ أمون لغزاً على مر العصور. مقبرة وادي الملوك: وتعرف عالميا باسم KV63، وهي أحدث المقابر المكتشفة بوادي الملوك بمصر، وساد الاعتقاد عند اكتشافها عام 2005 بأنها مقبرة ملكية، بيد أن الدراسات التالية ترجح أنها مجرد حجرة لتخزين الأدوات اللازمة لعملية التحنيط. واحتوت المقبرة على سبعة توابيت، فتحت جميعها ولم يوجد بها سوى مواد للتحنيط، كما وجدت جرار للتخزين، عثر بداخلها على أملاح وكتان وقطع من الفخار المهشم، وكلها مواد تستخدم في التحنيط والمراسم الجنائزية. كما عثر على آثار لأختام فوق قطع من الطوب الطفلي داخل المقبرة، تحمل المقطع "با أتن" وهو جزء من اسم الميلاد للملكة "عنخ إسن أمون" زوجة توت عنخ أمون، ومن ثم فإن الجزء المقروء من الختم والتصميم المعماري الداخلي للمقبرة ـ إن جاز إطلاق هذا الوصف ـ وأسلوب النقش على التوابيت التي تم العثور عليها، جميعها تشير إلى عصر الأسرة الثامنة عشرة، وتحديدا عصر الفرعون توت عنخ أمون (1333 ق.م. - 1323 ق.م.) والتي تبعد مقبرته أمتار قليلة مقابلة لهذا الموقع.
عنوان الكتاب
جيل روبا لكابا
مارية باكلا


ناشيونال جيوغرافيك تبحث في
الحضارات القديمة
التاريخ القديم
مصر - تاريخ قديم