مقطع تحكي هذه القصة أنه عاش في قديم الزمان سلطان هندي قوي البأس غليظ القلب، وكان يخضع لهذا الظالم الطاغية جماعة من الولاة يحكمون كثيرا من مدن الهند وبلادها، فيما عدا وزيرا عادلا يعيش في عنق السلطان اسمه "سيلا". كان هذا الوزير سديد الرأي وحسن التدبير، وكان السلطان يثق به فهو يعالج حماقة السلطة ببراعته وكياسته، ويمنع طغيانه بذكائه ولطف حيلته، كذلك الشعب فقد كان يصارح سيده بنصائحه الصادقة حتى ثارت ثائرته وتوعده بالويل إذا قصر في تنفيذ مشيئته. تكررت أفعال الظلم والطغيان من السلطان وضاق الوزير ذرعا بأفعال سيده حتى اشتد غضب السلطان وهياجه من عناد وزيره، فنادى حارسه وأمره بسجن سيلا في أعلى برج الهلاك حتى يقضي بقية أيامه معرضا لحرارة الشمس الحامية دون طعام أو ماء حتى يهلك جوعا وعطشا جزاء له على عناده، فتحير الحراس في أمرهم ولم يدروا ما يصنعون واقتربوا من الوزير العظيم متباطئين مترددين، فهم أعلم بمكانته العظيمة، ولكن سيلا قال لهم هادئا لا تخافوا ولا تنزعجوا أيها الأمناء الكرام ونفذوا إرادة مولانا السلطان، وتقدم إلى برج الهلاك موقناً بقرب أجله ودنو آخرته، وعرف أنه لن يخرج منه إلا ميتا، وبعد تفكير طويل هداه الله إلى زوجته التي يثق بها في تنفيذ خطته البارعة وقد تطوع أحد الحراس بإخبارها بكل ما حدث للوزير فلما جن الليل وخيم الظلام خرجت زوجة سيلا حتى بلغت سور البرج، ولما لمحها سيلا حيّاها فردت عليه تحيته وهي ساكنة حزينة تقول أليس في قدرتي أن أقوم بشيء ينفعك؟ قال لها في همس بلى تستطيعين، ولكن أوصيك بالصبر حتى ينضج سعينا، فقالت مرني بما تشاء، فقال سيلا أسرعي بالعودة إلى البيت وأحضري خنفساء عبده، وأمتار طويلة من الخيوط الحريرية الدقيقة، وكذلك حبلا غليظا من أمتن الحبال وأقواها ولا تنسي أن تحضري عسل النحل. سمعت الزوجة كل ما قاله زوجها وكررته عليه ليتأكد لها ما سمعته منه، وعند قبيل الفجر عادت الزوجة إلى سفح البرج ونادت زوجها فكان أول ما قاله لها اربطي الخنفساء بطرف الخيط الحريري ثم ادهني أنفها بالعسل وضعيها على حائط البرج واجعلي رأسها إلى أعلى فتشم الخنفساء العسل دون أن تعلم أنه لاصق بأنفها فتظن أنه في أعلى الحائط خلية نحل، وما زالت الخنفساء صاعدة حتى بلغت ذروة البرج فرآها سيلا وقال لامرأته أسرعي الآن واربطي الحبل بطرف الخيط الحرير فلما ربطته جذب الحبل إليه وربطه بقمة البرج وأمسك به هابطا عليه حتى لمست قدماه الأرض واسترد حريته الأولى، وأقبلت عليه زوجته تعانقه وهي ضاحكة بالحيلة من شدة السرور، وأسرع الزوجان إلى مغارة قريبة في الجبل ليقضيا فيها نهارهما وإذا أقبل الليل هربا إلى بلد آخر حيث يستأنفان حياة وادعة، أما السلطان الحائر فقد استولت عليه الهموم والأحزان فأسف لتسرعه من الانتقام من وزيره السجين وأدرك أنه سيعجز عن سيادته لمملكته بدون وزيره، ولما لاح الصباح ذهب السلطان إلى قمة البرج وأمر حراسه أن يفتحوا له البرج فرأى حبلا مربوطا في قمة البرج متدليا إلى أسفل فأسرع إلى شرفة البرج ليتأكد مما رآه فانزلقت قدماه وهوى جسمه من أعلى البرج إلى قاعدته فمات، وبعد قليل ذاع الخبر في أنحاء البلاد كلها وسرى في الناس سريان البرق فهتفوا بالوزير سيلا سلطانا عليهم، وبعث أعيان البلاد وكبراؤها رسلهم يبحثون عنه في أرجاء المدينة وقص عليه ما حدث فأسرع سيلا إلى قصر السلطان، ولم يكد أعيان الدولة وكبراؤها يبصرونه حتى أقبلوا عليه يهنئونه فرحين وأصبح الوزير السجين منذ ذلك اليوم سلطان البلاد .
عنوان الكتاب
كامل كيلاني


قصص هندية
العدل