مقطع قررت "تولين" وشقيقها "جاد" السفر إلى الساحل يوم السبت، مصطحبان طبوشاً. وفي الموعد المحدد رافق الأبوان تولين وجاداً إلى محطة القطار، وسأل جاد: متى يغادر القطار يا أبي؟ فقال: بعد ربع ساعة. خذا البطاقتين، وليحرص كل منكما على بطاقته، فسوف تسألان عنهما. وفي مقاعد قرب النافذة جلس الشقيقان، وبدت تولين متوترة في الدقائق الأولى، إذ لم يسبق لها أن سافرت دون أبويها. وقف الوالدان على الرصيف بانتظار مغادرة القطار، وراحا يلوحان لولديهما مودعين، وصاحت الأم: كونا حذرين. فرد الاثنان: اطمئني يا أمي، سوف نفعل ما تريدين. إلى اللقاء. لا تنسيا أن تتصلا بنا هاتفيا فور وصولكما. أطلق الناظر صفارة المغادرة؛ فأقفلت الأبواب وتحرك القطار، وفي لحظة توارى الأبوان عن أنظار تولين وجاد. ما الذي يجري على الرصيف! إنه أحد المسافرين، يسعى خلف القطار حاملاً معطفه على ذراعه، فيما ترفرف رابطة عنقه كالعلم! لعله أغفى وهو ينتظر تحرك القطار ففاته، لا بأس، كل ما عليه أن ينتظر الرحلة التالية، فصعود القطار وهو يسير ينطوي على خطر جسيم. بدأت تولين تتعرف على المسافرين، وتبادلهم الحديث، فقال لها صبي صغير: نحن ذاهبون لحضور حفل زواج، وقالت بنت ـ وهي تواصل حياكة خيوط صوفية ـ: أنا أحوك ثيابا لدمية أختي الصغيرة، والتقت تولين بموسيقيين شابين يتنقلان من بلد لأخر. كان القطار يشق طريقه وسط الأرياف، ومن النافذة رأت تولين قرية، وطاحونة هوائية، وحصانين يعدوان مع مهرهما في المروج، وعكس سقف أحد المنازل خيوط الشمس، من خلال الأشجار المحيطة به، وكانت الرياض والمراعي تمتد عند الأفق على مد البصر، إلى أين تؤدي تلك الطريق التي تتعرج بين الأشجار؟ كم هو ممتع أن يعيش المرء بين هذه الربوع مع القرويين! قال المراقب ـ وهو يتجول بين المقاعد ـ أرجو إبراز البطاقات. وراح يرد على استفسارات المسافرين، وقال الموظف لتولين وشقيقها: يجب أن تبدلا القطار في المحطة القادمة. وفي المحطة التالية غادر الأخوان القطار، لقد أربكتهما الأمتعة وخاصة أن طبوشاً لا يكف عن الحركة، فهو يركض في كل اتجاه صائحا فيهما: أسرعا، أسرعا؛ فالقطار يوشك أن ينطلق. وقال جاد وهو يهبط من القطار: ضعي الحقيبة في الأرض، كي أناولك الزورق الشراعي وشبكة الصيد، في مثل هذا الوقت من النهار، لا تكون المحطة مزدحمة، ولن يخشى أن يفوتهما القطار، توجها إلى القطار الآخر، وأطلق صفارته ورحل. وعلى الرصيف، كان ابنا عم تولين ينتظران وصولهما وشقيقها بفارغ الصبر.
عنوان الكتاب
جيلبير دولاهاي
مرسيل مرليه


تولين
وسائل المواصلات
السفر
القطارات