مقطع تدور القصة حول الطفل راشد، ففي يوم من الأيام حمل سطل القمامة وخرج بها إلى الحاوية الكبيرة، ففوجئ بولد صغير يفتش داخل الحاوية عن شيء وذهل بهذا المنظر الغريب وأخذ يتساءل عما يفعله؟ وكيف يطيق الرائحة؟ وما إن اقترب لوضع القمامة حتى أحدث السطل صوتا عاليا أفزع الولد، فسقط بالحاوية، ارتبك راشد ولا يدري ماذا يفعل، فلم يجد أحدا يساعده، فاقترب وأطل بخوف، وإذا ببعض القطط تقفز وتهرب، فخاف وأدار ظهره لكنه لم يستطع ترك الولد، فمن سينقذه؟ وعاد مرة أخرى فإذا بالولد واقعٌ داخلها يحاول الوقوف، فقال له: انتظر سأطلب المساعدة. غاب راشد وعاد مع أبيه، وإذا بالحاوية مقلوبة على جانبها والزبالة تملأ الشارع ولا أثر للولد. وهذه الحادثة أثارت في راشد تساؤلات عديدة، فماذا كان يفعل الولد؟ وهذه القطط لماذا كانت بالحاوية؟ ولماذا اجتمع الذباب على القمامة عند سقوطها؟ فنظر إلى كوم القمامة، فتعجب من هذه التشكيلة من أكل وشراب وجرائد، هل هناك من يستفيد منها؟ وفي مكتبة والد راشد حمل والده كتبا تتحدث عن البيئة والتلوث وأنواعه، فقرأ الأب العناوين الرئيسية، ولكن راشد بعد أن استمع للعناوين راح إلى عالم آخر، يفكر في خطة تجعله يعرف المزيد عن عالم القمامة والفضلات. وعندما حضرت سيارة نقل القمامة لأخذ الحاويات، تخيل راشد أن الولد مازال بها، فلما حمل عمال النظافة الحاوية وكبّوا ما فيها في السيارة، اهتز قلبه، فالسيارة لها شفرات حادة تقطع الزبالة وتضغطها حتى يصغر حجمها. فهل كانت ستقطع جسد الولد؟ والقطط لو بقيت ماذا سيكون مصيرها؟ لماذا هذه القسوة مع القمامة؟ فسيطر الموضوع على ذهنه، فقام برحلة على ظهر سيارة القمامة مع والده، واطمأن من خلوها من أي جثة، فهذا سر التكنولوجيا الحديثة، فعمال النظافة يحملون الحاوية لتحتل مكانها في الخلف، ثم ترتفع بمفردها وترمي ما فيها في جوف الشاحنة، فتتلقفها الشفرات الحادة وتقطعها قطعا صغيرة، فبذلك تحمل كميات كبيرة من قمامة الحي. قال عامل النظافة: في السابق كنا نحمل القمامة على عربات تجرها الحيوانات لنلقي بها بعيدا عن الناس، والحمد لله أعطى الله الإنسان العقل ليصنع لنا هذه السيارات الحديثة لتساعدنا. قال الأب: بالطبع، فالقمامة لو تركت ليومين أو ثلاثة لتعفنت وأصبحت رائحتها كريهة، وإذا لم تكن مغطاة فستجدها الجرذان والذباب مرتعا لها، فتتكاثر فيها وتنقل للإنسان الأمراض. وصلت السيارة إلى مكب النفايات، وشاهد راشد كثيرا من السيارات، فكلما عادت سيارة جاءت أخرى تفرغ حمولتها. ومع أن المكان رائحته كريهة، إلا أنه شاهد عشرات من الرجال يعملون في القمامة نفسها، يفصلون الفضلات المعدنية كعلب السمن والحليب، ويفصلون المخلفات العضوية كالفواكه واللحوم على ناحية أخرى، بينما يفصلون الجرائد وعلب الكرتون على حدة. وتساءل راشد: وما سيفعلون بأكوام القمامة؟ قال الأب: يقول الكتاب إن هناك عدة طرق للتخلص منها، فبعض المدن تحرقها في محارق خاصة فتتخلص منها بأسهل وأرخص الطرق، ويقول أيضا إذا كانت درجة حرارة الاحتراق عالية فلن يتصاعد معه دخان مضر للبيئة. وفي كثير من أقطار العالم قديما كانوا يتخلصون من الفضلات بجعلها طعاما للخنازير، فهي تحب الفضلات، وإذا تأخر أكل الفضلات ليومين أو ثلاثة يضطرون لطبخها على النار قبل تقديمها لهم حتى يقضوا على البكتيريا والجراثيم، فالحمد لله على نعمة الإسلام الذي حرم علينا أكلها. في هذا الوقت انضم مسؤول مكب النفايات فقال متباهيا: أتعلمون أننا نحفر لأكوام الفضلات حفرة كبيرة ثم نضع الزبالة، ونضغطها لتتسع لكمية أكبر من الفضلات، ثم نضع طبقة تراب فوقها، ونتركها للمطر، فتقوم البكتيريا داخل الزبالة بتحليل المواد العضوية وتحويلها لسماد، ثم نزرعها بالأشجار والنباتات فتصبح لدينا حديقة عامة. قال الأب: فعلا إن العلم يصنع المعجزات، فلقد كانت فضلات المدن تُرمى في الأنهار أو البحار فتلوثها. قال المسؤول: نعم هناك طرق علمية رائعة، كإعادة تصنيع بعض المواد لاستعمالها مرة أخرى. ولكن لا تزال مشكلة الفضلات قائمة في كثير من المدن. لقد تأخر الوقت وعاد الأب مع راشد، بينما ظل راشد يفكر بهذه المدن التي ترمي الفضلات في الأنهار والبحار. أعدت الأم حمّام ابنها راشد، وبينما كان هو جالسا يقضي حاجته، سرح مرة أخرى بهذه الفضلات، وأخذ يتساءل، أين تذهب؟ وتذكر الولد الذي رآه في ذلك اليوم فتساءل: هل كان يجمع بعض الأشياء من القمامة لاستعمالها أو بيعها؟ وأين يسكن؟ فأحس بالتعاطف معه وأصر على معرفة مسكنه. وبينما هو تحت الدش يفرك رأسه بالصابون، لاحظ المصرف والماء يتدفق إلى داخله، فتساءل مرة أخرى: إلى أين يذهب كل هذا؟ قال الأب: لقد كانت الفضلات الطبيعية أول مشكلة يفكر في حلها الإنسان والتخلص منها، فقديما كان يحفر الحفر في الأرض ويغطيها حتى لا تزعجه الرائحة، وإذا كان مسافرا واضطر لقضاء حاجته في الخلاء قام بتغطيتها بالرمل حتى لا يتجمع عليها الذباب وينقل منه الأمراض. وعند ازدياد عدد السكان ازدادت مشكلة الفضلات الطبيعية، فبنوا المراحيض، وحفروا الحفر الامتصاصية الكبيرة، ولما زاد العدد أكثر، بنوا شبكة من الأنابيب الكبيرة كي تنقل الفضلات إلى أماكن بعيدة عن المدينة (المجاري)، ولا تزال كثير من المدن ترمي فضلات المجاري في مياه البحار والمحيطات، ولم تعد مياه البحر قادرة على تنظيف نفسها، والمشكلة تضاعفت حين بنى الإنسان المصانع وقام باستعمال المواد الكيماوية، فأصبحت المجاري تحمل فضلات المصانع الكيماوية السامة، وترمي بها في الأنهار والبحار فتلوثت المياه وأصبحت غير صالحة للحياة. وفي بعض أنهار أوروبا - حيث المصانع الكثيرة - ماتت الحياة المائية. وعندما أحست الدول الصناعية بالمشكلة أوجدت الحلول لها، فبنت محطات لتنقية مياه المجاري، ومنها حصلت على سماد للمزروعات، ومياه نقية يعاد استعمالها لري المزروعات، وعالجت مخلفات المصانع السامة لتصبح غير سامة، ومنعت إلقاءها في الأنهار. قال راشد: ما أذكى الإنسان! بل ما أعظم العلم والاختراعات. أجاب الأب: احذر، فالاختراعات العلمية الحديثة لا تكون دائما مفيدة للإنسان أو الطبيعة. فالسيارات مثلا، برغم فوائدها إلا أن دخان العوادم منها أصبح يلوث الهواء. وصنع الإنسان الغاز لتبريد الثلاجات والمكيفات، وعلب سبراي بها غاز يخرج بالضغط عليها، هذه الغازات لها تأثير كيماوي على طبقة الأوزون فأحدثت ثقبا كبيرا في الطبقة، فأصبحت أشعة الشمس الضارة تمر بسهولة فتضر الكائنات الحية وتؤدي إلى سرطان الجلد، فعلى الإنسان ألا يؤذي من حوله، فالمهم أن نعرف المشكلة وأن نجد الحلول لها. اعتاد راشد أن يقرأ القرآن قبل نومه، وفي هذه الليلة قرأ سورة الحجر، الآيات 91 -22، وأخذ يفكر في خلق الله، وتعجب من الإنسان الذي لا يحافظ على نعم الله، وآلى على نفسه أن يكون أحسن خلق الله حفاظا لنعمه، فسيحافظ على الماء نظيفا والهواء من التلوث، وسيحمي كل الثروة الزراعية والحيوانية وينميها. وفي اليوم التالي، استطاع راشد الوصول إلى بيت الولد الذي كان في حاوية القمامة ووصل للخيمة القريبة من الوادي، وتعرف عليه حالا من ملابسه التي لم يغيرها منذ ذلك النهار، فسأله: لماذا تعيشون هنا بعيدين عن الناس والمدينة؟ فأجاب الولد: كنا نسكن في مكان آخر، لكن الصحراء زحفت علينا، وصعّبت عيشتنا، فإذا الجفاف والحر والرمل، لا توجد حياة ولا زراعة. وعاد راشد إلى البيت وأخذ يفكر كيف هي حياة الخيام في البرد والحر؟ وكيف تصل المياه بلا أنابيب؟ وكيف يعيش بلا كهرباء؟ وإذا مرض كيف يصل للمستشفى؟ ففي صباح يوم السبت كان راشد على موعد مع زملائه لخدمة الأرض، فهي عزيزة عليهم، فهم يأكلون ويشربون منها، فكيف لا يحافظون عليها ويحمونها، فانتظر راشد حامد ، وعند وصوله انطلقوا إلى مكان انطلاق الحافلات، حيث إن كل الأطفال والشباب والمسؤولين مجتمعون لركوب الحافلات للذهاب إلى منطقة الزراعة، فاليوم سيزرع الأطفال أشجارا في المنطقة الصحراوية القريبة من مدينتهم، فلقد زحفت الصحراء على الأراضي المجاورة للمدينة، حيث التهمت الحرائق المعاول والفؤوس والغابات التي كانت تملأ الأرض، فكان على الكل أن يقوم بإعادة زراعة الأشجار، لتكون غابات نافعة للأجيال القادمة. قام راشد بإلقاء كلمة الأطفال في حفل الزراعة، وتحدث عن أهمية الشجر والمحافظة على الموارد الطبيعية، والأمراض التي تصيبنا بسبب التلوث، ثم قال: إننا اليوم سنزرع الأشجار بأيدينا وفي كل مكان، وسنحافظ على البيئة من التلوث، وإن السماد المستعمل هو بقايا القمامة العضوية والنباتية التي فصلها عمال النظافة.
عنوان الكتاب
روضة الفرخ الهدهد


الكتب الثقافية للأطفال
الفضلات الطبيعية

لا يوجد بيانات