مقطع تذكر القصة أنه كان في قديم الزمان سلطان يحكم في أقاصي جنوب السودان، ظالم لا يرحم، يقوّي الظالم على المظلوم، ويوقع الفتن، وينشر الاعتقاد بالسحر والخرافات، فكرهه الجميع، وعاش أبناء القبائل والقرى طائعين راضين لا يحسون بما يدبره المستعمر لامتصاص أرزاقهم؛ لأن التعليم لا يدخل عقولهم، وكان للسلطان ولدا اسمه "ممنون" أخذه المستعمرون إلى بلادهم ليعلموه طباعهم وتقاليدهم حتى يضمنوا أن تظل في أيديهم تلك الإرادة السهلة اللينة المسلطة على رقاب أبناء القبائل، ولكنه كان فتى نابها؛ عاش ينظر دائما إلى القبائل المساكين، فنزل ممنون إلى أهل القبائل يحادثهم ويعاشرهم، ويقضي على الخرافات والفتن، ولم تكد تمضي على عودة الأمير ممنون شهورا حتى توفى السلطان الكبير، وتولى ممنون السلطة، فقام بتطبيق العدل ونشر التعليم حتى أحس المستعمرون به، ومن بينهم "عدنان" ابن عمه، الذي كان من أكبر الأشرار؛ ففي يوم كان الأمير ممنون مشغولا عما يدور حوله بالإعداد لافتتاح أولى المدارس في بلاده، وإذ بالرجال المدججين بالسلاح يحيطون به من كل جانب، وقد فوجيء بابن عمه عدنان يقف ويضحك؛ ليوقّع ممنون صاغرا على وثيقة بتنازله عن الحكم لابن عمه عدنان، ثم كبل بالسلاسل والأغلال، وألقي به في السجن. وهنا بدأت الإشاعات، وعادت الخرافات والفتن من جديد، وكان من حراس القصر رجل اسمه "تمام" يقضي كل أوقاته في العمل، ولديه ابن اسمه "همام". كبر همام وأصبح من خيرة أبناء القبائل ذكاء وقدرة على أداء الأعمال؛ فقد تعود كل من في القصر على همام، حتى الأمير كان يعطف عليه، ويقدم له الأطعمة والملابس، حتى جاء يوم قال له الأب إنه لا يريده أن يأتي إلى القصر، فسأل همام عن السبب، فأجابه بأن الأمير مستاء من أنك تتقرب وتتحادث مع الأمراء الذين من مثل سنك، فقال له همام: بل هو خائف أن أفضح أمر المدينة، وما بها من جهل، وظلم. فحكى همام لوالده عن قصته مع الأمير الذي علمه الكتابة والقراءة، وكيف هو نشرها بين أبناء القرى فأبدى والده الاندهاش والخوف، ونهاه عن فعل ذلك، فرد عليه الابن بأنه علم أيضا الجنود، وعلِم حقيقة عدنان وطريقة استيلائه على العرش، فقال الأب نعم، لكنك كنت صغيرا عندما مات ممنون، فقال الولد: إن ممنوناً لم يمت، بل هو مسجون في السجن. وفي الصباح قاد همام والده إلى مغارة يجتمع بها كل من ساند همام من أصدقائه الفتيان، ومعهم عدد كبير من قادة القبائل وأهل القرى وحراس القصر وأفراد الشعب، واتفقوا على تحديد قائد لهم، فذكر همام أنه محضر مفاجأة؛ وهي الأمير ممنون، الأمير الشرعي لهذه البلاد، فتفاجىء كل الحاضرين، وبدأ ممنون يحكي لشعبه، فقاطع الشيخ "بلان" الأمير ممنون قائلا: عرفتم الآن جميعا أن الأمير ممنون حي يرزق، ويجب أن تعرفوا كذلك أنني لست بلان بل السلطان عدنان. جزع الجميع، فصاح الأمير ممنون قائلا: إنه يعلم من البداية أنه عدنان، فهم الجميع للقضاء عليه ولكن الأمير ممنون رفض ذلك، وقرر محاكمته بالعدل على كل ما اقترفه.
عنوان الكتاب
محسن محمد محسن


كان يا ما كان
لا يوجد بيانات