مقطع تتحدث القصة عن ناسك، يقيم في مكان مرتفع مطل على مدينة، وكان ينعزل بعيدا عن الناس، ويقضي معظم الليل في التعبد والتهجد، وكان من حين لآخر يأتي المدينة فيجود عليه المحسنون بالعطايا من الثياب والطعام الذي يسد حاجته به. لم يكن يأخذ المال، ولم يكن يبخل على أصحابه في الرد على أسئلتهم ولا على نصحهم ووعظهم وإرشادهم؛ فهو يعتبر المرشد الملم بالأحاديث؛ فقد كان ينشر تعاليم الدين والشريعة في كل مكان. وذات يوم وهو في المدينة اعتاد أن يعرج على تاجر في دكانه؛ فلم يتركه يجلس على المقعد الخشبي، وإنما أجلسه على مقعد عريض، فرش عليه القماش الوثير، وتبادلا عبارات الرد والاحترام، ثم استأذن للانصراف للعودة إلى صومعته؛ فإذا بالتاجر يطلب ويستفسر منه عن رجلين من كبار السن؛ أما أحدهما فكان يغش البائعين، والثاني يفتري الأكاذيب والأباطيل بل أنهم اتفقا على الاستيلاء على متجره؛ فنظر إليه الناسك، وقال له: لا تحزن سوف ترى من الله ما يسرك إن تفانيت وتعففت. انصرف الناسك، وعبر سوق المدينة ومعه بقره أهداها إليه أحد المحسنين، وتبع الناسك أحد اللصوص لسرقة البقرة، وراح يتبعه دون أن يدعه يراه، وبعد أن ابتعد عن المدينة والسوق، أخذ يصعد درب صومعته، لكنه كان يتعب ويرتاح من حين إلى آخر؛ وفجأة لمح اللص رجلا عريضا يظهر ويختفي ويسأله من أنت قال: أنا الشيطان. قال اللص: هل تريد إفساد مسعاي؟ قال: لا. أريد أن أسرق الناسك فكم مرة أفسد علي حيلتي ومكري بنصائحه وإرشاداته. اتفق اللص والشيطان على سرقة بقرة الناسك، وبعد أن أوى الناسك إلى صومعته، وتوكل على الله، وصلى المغرب، واستغفر، وأخذ يدعو ويتضرع حتى أدركته صلاة العشاء؛ فقام إلى الصلاة، فأداها ثم تناول العشاء وأوى إلى فراشه؛ فقام الشيطان واللص واقتربا من الصومعة، وتقدم اللص بلهفة إلى البقرة، وحاول فك رباطها فلم يدعه الشيطان يفعل ذلك، وظل متمسكا بثوبه وأخذ يشده حتى بدا الطرفان كأنهما في عراك بالأيدي، وكان الشيطان هو الغالب؛ فأخذ يصرخ الشيطان واللص حتى استيقظ الناسك، وأخذ عصاه الغليظة ليهوي بها على رأس الرجلين الغريبين. مرت الأيام وكان لا يخرج من صومعته إلا لحاجة، ولا يدع ساعة إلا ويسبح ويصلي، وكان خلال النهار يتناول بضع لقيمات يغمسها في قطعة ملأها من لبن البقرة. عاد الناسك ليزور أصدقاءه في المدينة؛ فذهب إلى دكان صديقه، فوجده في أحسن حال في البيع والكسب والشراء، وطلب الصديق من الناسك تناول الغداء، وألح في ذلك؛ فقبل الناسك، فقال التاجر للناسك: لم تسألني عن سبب إغلاق المتجرين المجاورين؛ فقال: أدركت أن سوء حالتهما انتهت بهما للإفلاس. قال التاجر: بل تشاجروا على صفقة طمع واشتبكا في قتال عنيف؛ فطعن أحدهما الآخر، فأرداه قتيلا، ثم اقتيد القاتل إلى السجن في انتظار العقوبة.
عنوان الكتاب
سالم شمس الدين


كليلة وجليلة (حكايات جدتي)
لا يوجد بيانات