مقطع تحكي القصة عن معروف، وهو فلاح يعيش في مزرعته الصغيرة، على شاطئ إحدى البحيرات، وتعوّد على عمله الذي ورثه عن والده، وهو حرث الأرض وزراعتها وريها، وكان معروف يتسلى بمظهر البحيرة، وما فيها من الإوز والبط، وكانت أشكالها الجميلة ـ وهي تعوم في البحيرة التي تعيش فيها مجموعة طيور ـ مما تعود أن يراه يوميا، وهذه هي تسليته الوحيدة؛ لأنه لا يعرف الكسل، فهو منذ الفجر يستيقظ نشيطا متفائلا. ولما كان عمله بدنياً فقد زادت صحته قوة وصلابة، وأصبح يضاعف العمل في مزرعته، فعرف أن زيادة الإنتاج دائما تأتي بالعزيمة والإيمان. وذات يوم ـ وهو في مزرعته، أثناء قيامه بشق الأرض ـ إذا بصوت خافت يأتي من خلفه؛ فاستدار، فإذا هو ثعبان ضخم؛ فتخوف الفلاح وأراد الفرار، ولكن الثعبان قال له: قف أيها الفلاح، واسمع حديثي، لعلك تشفق علي، وإن لم تقتنع، فلا عليك، اتركني ومصيري. فصعد الفلاح على ربوة بسرعة، حتى جعل البحيرة بينه وبين الثعبان، فقال الثعبان: إنني لم أضر أحدا في هذه القرية، وقد عشت فترة طويلة فيها، وانظر ستجد أبنائي خلف الشجرة، ينتظرون قدومي بفارغ الصبر، وانظر إلى الراعي، يريد أن يقضي علي بفأسه، فخبئني حتى يذهب، ولن تندم على عملك. فنزل معروف، وخبأه في مكان لا يراه ذلك الراعي، الذي ظل يبحث عنه هنا وهناك، وغاب الراعي عن الأنظار، وكأنه لم يجد فائدة من البحث عن الثعبان، الذي اختفى فجأة، ولما أحس الثعبان بالأمان، أخذ يلتف على معروف، الذي أمنه على نفسه! وجد معروف نفسه في ورطة كبيرة؛ فالثعبان السام يلتف حول عنقه، ولن ينفعه الصراخ؛ فالمكان خال من أي أحد، وأهالي القرية البعيدون عن كوخه ومزرعته، تعودوا أن يناموا مبكرين، فمن يغيثه من هذا الثعبان الذي يضغط على رقبته، محاولا القضاء عليه؟ وهل في الإمكان لشخص ما أن يقترب من هذا المنظر الرهيب؟ وهل يصدق أحد أن إنسانا ما يسمع كلام الثعبان مثل معروف ويؤمنه ويقربه إليه؟! وهنا قال معروف للثعبان: أمهلني حتى أصلي، وفعلا توضأ وصلى ركعتين، وطلب من الله سبحانه وتعالى أن يخلصه من هذا الثعبان المخيف الرهيب. فإذا بشجرة قد نبتت وارتفعت وصارت بضخامته، وهي مسمومة قاتلة، وبينما هو كذلك، فإذا بفروع الشجرة وأغصانها التي تحبها الثعابين تتدلى، فاقترب غصن من فم الثعبان، فأخذ الثعبان يلتهم الغصن، وما هي إلا دقائق حتى انهار الثعبان وسقط، وكانت الشجرة عبارة عن سم، فقتل الثعبان الذي لم يوف بعهده مع من حماه، وفجأة اختفت الشجرة المسمومة، وعلم معروف أن الله قريب يجيب دعوة المضطر، وأن صنائع المعروف تقي مصارع السوء.
عنوان الكتاب
حصة العوضي
سعيد ترياقي


قصص حصة العوضي للصغار
لا يوجد بيانات